الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


عجائب بيت المقدس التي صنعها الضحاك بن قيس الأزدي، وقيل: الغساني

حدثن غير واحد، عن القاسم بن علي، عن أبي القاسم السوسي، عن إبراهيم بن يونس، عن عبد العزيز النصيبي، عن محمد بن أحمد الخطيب، عن عمر بن الفضل فيما حدّث، عن أبيه، عن حماد الرملي، عن محمد بن العباس، عن عمران بن موسى، عن السام بن داود، عن أحمد بن نباتة، عن سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق، عن أبي مالك القرطبي، عن إبراهيم. وقيل: هو موقوف على السام بن داود قال:

لما توجه ذو القرنين إلى بيت المقدس، وقد خضعت له الملوك، رأى تلك العجائب التي وضعه الضحاك بن قيس في الزمان بحركات هندسية، وطلسمات موضوعة.

فمن ذلك نار عظيمة اللهب، فمن لم يطع الله في ليلته ثم نظر إليها أحرقته، فإن كان قد أطاع الله ونظر إليها لم تضرّه.

ومن العجائب: أنه من رمى بيت المقدس بسهم رجع إليه سهمه.

ومنها: أنه وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس، فمن كان عنده شيء من السحر إذا مرّ بذلك الكلب نبح عليه، فإذا نبح عليه نسي ما عنده من السحر.

ومنها: أنه وضع بابا فإذا دخل الظالم من اليهود والنصارى على ذلك الباب ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه.

ومنها: أنه وضع عصا في محراب المسجد، فما يقدر أحد أن يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء، فإن مسّها من ليس من أولاد الأنبياء احترقت يده.

ومنها: أنهم كانوا يحبسون أولاد الملوك في محراب بيت المقدس، فمن كان من أهل الملكة إذ أصبح وجد يده مطليّة بالدهن.

وجعل سليمان بن داود عليهما السلام سلسلة معلقة من السماء إلى الأرض يقضي بها بين الخصمين، فالصادق تتدلى إليه حتى يمسكها، والكاذب لا ينالها، حتى وقع المكر بين الناس. فكان سبب رفعها، أن رجلا استودع رجلا مالا، ثم غاب عنه حينا، ثم جاء يطلب وديعته، فأنكره ذلك، فأتى إلى سليمان، فقصّ عليه القصة، فحكم عليه سليمان بالحكم، و بعث معه الأمناء إلى الموضع، وأخذ الرجل الذي أودع المال قناة، فشقّها

وصبّ المال فيها وأطبقها، ثم أخذ يتوكأ عليها شبيه بالعليل، وقال لصاحب المال: خذ أنت هذه العصا حتى أمدّ يدي وأنال السلسلة، فأخذ الرجل صاحب المال منه العصا، وقال: اللهم إنك تعلم أن هذا الرجل أودعني مالا، و أني قد رددت ماله إليه. والمال في يد الرجل ولا يعلم، اللهم إن كنت صادقا في مقالتي فأنلني السلسلة بقدرتك، فنال السلسلة.

ثم قال: ردّ عليّ عصاي، فردّ عليه عصاه، وارتفعت السلسلة من ذلك اليوم. ونزل الوحي على سليمان، فأخبره بالمكر، وكان موضعها القبة التي على يسار الصخرة، بناها عبد الملك بن مروان. وفي ذلك الموضع لقي النبي صلى الله عليه وسلم الحور العين ليلة الإسراء. وجعل سليمان بن داود أيضا تحت الأرض مجلسا وبركة، وجعل فيها ماء، و كان على وجه الماء بساط، فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق، ومن كان على الحق لم يغرق.

فلما رأى ذو القرنين هذه العجائب أوحى الله إليه:

إنك ميّت، وإن أجلك قد حضر. وكان ذو القرنين قد أوسع أهل الأرض عدلا، وكان آخر ملوك الأرض من أهل الخير. وقد كان كبر ودقّ عظمه، ونحل جسمه، وطعن في السن. فمات رحمه الله ببيت المقدس.

وزعم أهل العلم: أنه بدومة الجندل، رجع إليها من بيت المقدس، وقبره بها اليوم.

قيل: عاش خمسمائة عام.

ومن باب التقوى في الهوى:

فلم التقينا قالت الحكم بيننا سوى خصلة هيهات منك مرامها

فقلت معاذ الله أطلب خصلة نموت ويبقى بعد ذاك آثامه

ولعمرو بن أبي ربيعة في هذا الباب:

لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت إليّ وإني عن صبا لحليم

سوى قبلة أستغفر الله ذنبها سأطعم مسكينا بها وأصوم

وللفرزدق من هذا الباب:

شمس إذ بلغ الحديث خيانة أمسكن عنه غرائر أقمار

وحديثهن كأنها مرفوعة من دينهنّ إذا جهرن سرار

وله أيضا ويعزى لغيره:

ويوم كإبهام الحبارى قطعته بنعمة والواشون فيه تحرف

بلا محرم إلا كلام مودّة علينا رقيبان التقى والتطرف

إذا ما هممنا صدّت النفس دونها كما صدّ من بعد التهمّم يوسف

ومن نظمنا في هذا الباب ارتجالا:

علينا من التقوى رقيب مسلّط إذا ما خلونا والهوى زائد البلوى

ولكن وقانا الله شرّ بلائه بما جعل الرحمن فينا من التقوى

ولو لم يكن تقوى لكان اشتغالنا إذا ما خلونا بالعتاب وبالشكوى

ويأبى الهوى القتال إلا صيانة عن اللثم لما كان سلطانه أقوى

فحسبي أن أفنى إذا ما لقيته وحسبي ما يلقى عن السمع في النجوى

حديث كزهر الروض عطّره الندى وفي الطعم طعم المنّ فيه مع السلوى


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!