الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


محل صنائع المعروف

في الحكمة الأولى: المعروف إلى الكرام يعقب خيرا، وإلى اللئام يعقب شرا.

ومثل ذلك: المطر يشرب منه الصدف فيعقب لؤلؤا، ويشرب منه الأفاعي فيعقب سمّا.

حكاية: ذكر أن جماعة من الأعراب أثاروا ضبعا، فدخلت خباء شيخ، فقصدوها، فخرج إليهم فقال: ما بغيتكم؟ قالوا: جارك، قال: أما إذ قد سميتموه جاري فإن هذا السيف دونه. فتركوه. و كانت الضبع هزيلا فأحضر لها من لقامه، وجعل يسقيها حتى عاشت، فنام الشيخ فوثبت عليه فقتلته. فقال شاعرهم في ذلك:

ومن يصنع المعروف مع غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر

أقام لها لما أناخت ببابه لتسمن ألبان اللقاح الدرائر

فأسمنها حق إذا ما تمكنت فرته بأنياب لها وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من يعود بإحسان إلى غير شاكر

يا أخي، أما لك فيما ترى معتبر؟ الله يرسل نعمته على عبديه فالكريم منهما يطيعه بها، واللئيم منهما يستعين على معصيته بها.

يقول سفيان: وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام.

يحكى عن بعض الأعراب أنه أخذ جرو ذئب عند ما ولد قبل أن يعرف أمه، فاحتمل إلى خبائه وقرب له شاة، فجعل يمتص من لبنها حتى كبر وسمن، ثم شدّ على الشاة فقتلها. فقال الأعرابي في ذلك:

غذّتك شويهتي ونشأت عندي فما أدراك أن أباك ذيب

فجعت نسيبتي وصغار قوم بشاتهم وأنت لهم ربيب

إذا كان الطباع طباع سوء فما يجدي التحفظ والأديب


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!