الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر وحي عيسى عليه السلام

حدثن عربشاه بن محمد بن أبي المعالي العلوي التنوخي والخبوشاني كتابة، ثنا محمد بن الحسن بن سهل العباسي الطوسي، أنبأنا خالي أبو المحاسن علي بن أبي الفضل الغارمدي، أنبأنا أحمد بن الحسين بن علي قال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمر عثمان بن أحمد السماك ببغداد إملاء، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال:

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن وجّه نضلة بن معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق، فليغر على ضواحيها، قال: فوجّه سعد نضلة في ثلاثمائة فارس، فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق وأغاروا على ضواحيها، فأصابوا غنيمة و سبيا، فأقبلوا يسوقون الغنيمة والسبي حتى رهقت بهم العصر، وكادت الشمس أن تغرب، فألجأ نضلة الغنيمة والسبي إلى سفح الجبل، ثم قام فأذّن فقال: الله أكبر الله أكبر، قال: ومجيب من الجبل يجيبه، كبّرت كبيرا يا نضلة، ثم قال: أشهد أن ل إله إلا الله، فقال: كلمة الإخلاص يا نضلة، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: هو الدين، وهو الذي بشّرنا به عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى رأس أمته تقوم الساعة، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال: طوبى لمن مشى إليها وواظب عليها، ثم قال: حيّ على الفلاح، قال: أفلح من أجاب محمدا صلى الله عليه وسلم وهو البقاء لأمته، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: كبّرت كبيرا، ثم قال: لا إله إل الله، قال: أخلصت الإخلاص يا نضلة فحرّم الله جسدك على النار.

قال: فلما فرغ من أذانه قمنا فقلنا: من أنت يرحمك الله؟ أملك أنت؟ أم ساكن من

الجن؟ أم من عباد الله؟ أسمعتنا صوتك، فأرنا شخصك، فإنّا وفد الله، ووفد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووفد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فانفلق الجبل عن هامة كالرّحاء، أبيض الرأس واللحية، عليه طمران من صوف، فقال: السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، فقلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رزيب بن برتملة وصي العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه السلام، أسكنني هذا الجبل، ودعا لي بطول البقاء إلى نزوله من السماء، فيقتل الخنزير، و يكسر الصليب، ويتبرّأ مما نحلته النصارى.

ثم قال: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: قبض، فبكى بكاء كثيرا طويلا حتى خضب لحيته بالدموع، ثم قال: من قام فيكم بعده؟ قلنا: أبو بكر، قال: ما فعل؟ قلنا: قبض، قال:

فمن قام بعده؟ قلنا: عمر، قال: إذا فاتني لقاء محمد صلى الله عليه وسلم فاقرءوا عمر مني السلام، وقولوا له: يا عمر سدّد وقراب، فقد دنا الأمر وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها. يا عمر إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالهرب الهرب إذا استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وانتسبوا في غير مناسبهم، و انتموا إلى غير مواليهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم، ولم يوقر صغيرهم كبيرهم، وترك الأمر بالمعروف فلم يؤمر به، وترك النهي عن المنكر فلم ينته عنه، وتعلّم عالمهم العلم ليجلب به الدنانير والدراهم، وكان المطر قيظا، والولد غيظا، وطوّلو المنابر، وفضّضوا المصاحف، وزخرفوا المساجد، وأظهروا الرشا، وشيّدوا البناء، و اتّبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واستخفّ بالدماء، وتقطّعت الأرحام، وبيع الحكم، وأكل الربا، وصار التسلّط فخرا، والقتل عزّا، وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه، وركبت النساء السروج.

قال: ثم غاب عنّا، فكتب بذلك نضلة إلى سعد، فكتب سعد إلى عمر، فكتب عمر إلى سعد: ائت أنت ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزل هذا الجبل، فإذا ألقيته فأقرئه مني السلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بعض أوصياء عيسى ابن مريم نزل بذلك الجبل بناحية العراق» ، فنزل سعد في أربعة آلاف من المهاجرين حتى نزلوا الجبل أربعين يوما، ينادي بالأذان في كل صلاة، لم يتابع الراسبي على قوله، عن مالك بن أنس، والمعروف في هذا الحديث مالك بن الأزهر، عن نافع، وابن الأزهر مجهول. قال الحكم: لم يسمع بذكره في غير هذا الحديث، والسؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم و عن أبي بكر هو من حديث ابن لهيعة، عن ابن الأزهر. وقوله: في زخرفة المساجد و تفضيض المصاحف ليس على طريق الذم، وإنما هو دلالة على قيام الساعة وفساد الزمان، كدلالة نزول عيسى وخروج المهدي وطلوع الشمس.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!