الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن باب هوان الدنيا على أهل الله

ما حدثن به محمد بن الفضل، ثنا أبو منصور، ثنا أبو بكر بن ثابت، ثنا عبد العزيز القرميني، ثنا ابن جهضم، ثنا الخالدي، ثنا ابن مسروق، حدثني محمد بن سهل البخاري قال: كنت أمشي في طريق مكة، إذ رأيت رجلا من أهل المغرب على بغل وبين يديه مناد ينادي: من أصاب هميانا فله ألف دينار، فإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثة يقول للمغربي:

أيش علامة الهميان؟ فقال: كذا وكذا، وفيه بضائع للقوم، وأنا أعطي من مالي ألف دينار.

فقال الفقير: من يقرأ الكتابة؟ فقلت: أنا، قال: اعدلوا إلى ناحية، فعدلنا، فأخرج الهميان، فجعل المغربي يقول: حبتين لفلانة بنت فلان بخمسمائة دينار، وحبة لفلان بمائة دينار، وجعل يعدّ فإذا هو كما قال، فحلّ المغربي هميانه وقال: خذ ألف دينار التي وعدت، فقال الأعرج الفقير: لو كان قيمة الهميان عندي بعرتين ما كنت تراه، فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته، ومضى ولم يأخذ منه شيئا.

أخبرني الوجيه الفاسي بمدينة مائد، في سنة إحدى وستمائة قال: كان ببخارى والي

يظلم و يجور، فركب في يوم شديد البرد، فرأى في بعض الأزقة كلبا أجرب قد أنكاه البرد، فدمعت عيناه وأخذته عليه شفقة، فقال لبعض جماعته: احمل هذا الكلب إلى البيت حتى أرجع، فلما رجع من وجهه إلى البيت تولى موضعا من داره جعله مربطا لذلك الكلب، و أطعمه وسقاه ودهنه وكساه جلا، وأوقد حوله نارا يستدفي بها على بعد. فلم يلبث الوالي بعد هذه الفعلة سوى ليلتين ومات رحمه الله. فرآه بعض الصالحين ممن كان يعرف ظلمه وجوره قال: ما فعل الله تعالى بك؟ فقال له: يا هذا، أوقفني الحق بين يديه، وقال لي:

كنت كلب فوهبناك لكلب، فغفر لي، وضمن عني، وأدخلني الجنة. فقلت: يصدق هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغي من بغايا بني إسرائيل رأت كلبا على بئر يلهث عطشا، فنزعت موقها من رجلها، واستقت له، وسقته وانصرفت، فشكر الله تعالى فعلها وغفر لها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!