الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر الأربعين الرجبيين و الأبدال

اعلم أن لله أربعين رجلا من خلقه ينظر إليهم فيأخذهم عن حركاتهم، فيقعدهم لا يستطيعون حراكا في شهر رجب كله، من أوّله إلى آخره، وما عندهم خبر من حالهم، ولا مما يرد عليهم غير ما عرّفهم الحق به في تلك الأخذة، وذلك في كل سنة. فإذا انقضى الشهر، لم يبق عند الرجل منهم خبر من حال غير ما كان عرفه، ولا يبقى له كشف ولا اطّلاع و لا نداء من ذلك العالم، ولا شيء إلى أن يستهل رجب، فيرجع عليهم ذلك الحال.

فلا يزال بهم إلى انقضاء الشهر، فيرون من العجائب في تلك الحال من الكوائن إلى ما شاء الله. غير أن بعضهم قد يبقى معه في طوال السنة علامة مقصورة على إدراك أمر ما ل غير.

وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب، وهو محبوس في بيته، قد حبسته هذه الحالة، وهو بائع للجزر والخضر العامة، غير أني سألته عن حالته، فأخبرني بكيفيّتها على ما كان علمي فيها. وكان يخبر بعجائب، فسألته: هل يبقى لك علامة في شيء قال: نعم، لي علامة من الله في الرافضة خاصة. أراهم في صور الكلاب، ل يستترون عني أبدا، وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون لا يعرفونهم أهل السنة، إلا أنهم منهم عدول، فدخلوا عليه، فأعرض عنهم، وأخبرهم بأمرهم، فرجعوا وتابوا، و شهدوا على أنفسهم ما أخبر عنهم مما ليس عند أحد منهم خبر.

وحدّثن محمد بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن علي بن الحسن بن أحمد بن طلحة، عن محمد بن عبد الله الحيّاني، عن عثمان بن أحمد الدقاق، عن إسحاق بن إبراهيم الختليّ، عن عثمان بن سعيد الأنطاكي، عن علي بن الهيثم المصيصي، عن عبد المجيد بن بحر عن سلاّم الطويل، عن داود بن يحيى عن مولى عون الطفاوي، عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس وبعسقلان، قال: رأيت رجلا وأنا بوادي الأردن قائما يصلي، وسحابة تظلله من الشمس، فلما سلّم سلّمت عليه، وقلت: من أنت؟ فقال:

الياس النبي. فقلت: ادع لي، فقال: يا برّ، يا رحيم، يا حي، يا قيوم، يا حنّان، يا منّان، يا هيا، شراهيا، فذهب عني ما كان أصابني من هيبته. فسألته: هل يوحى إليه اليوم؟ قال:

منذ بعث محمد عليه الصلاة والسلام، فلا قلت: كم من الأنبياء أحياء؟ قال: أنا والخضر و إدريس وعيسى. قلت: فهل تلتقي أنت والخضر؟ قال: نعم، في كل عام بعرفات.

قلت: فكم الأبدال؟ قال: هم ستون رجلا: خمسون ما بين العريش إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجل بإنطاكية، وسبعة في سائر الأمصار. بهم تسقون الغيث، وبهم تنصرون على العدو، وبهم يقيم الله أمر الدين. حتى إذا أراد أن يهلك، يعني الدنيا، أماتهم جميعا. قلت: لا تنقص الأبدال عن سبعة نفر، ويزيدون إلى ما شاء الله، ليس لهم حد معروف في الزيادة، واقتصار الياس على الستين، إنما ذكر الموجودين في ذلك الزمان الذي سئل فيه لا غير. وفصّل له تفريقهم في مساكنهم، وأبان له أن فيهم من هو ملازم موضعا ما، ومن هو سائح، والله أعلم بخلقه.

ولمهيار الديلمي في حنين الإبل وسيرها:

يا سائق الأضغان أر ود بعض ما تعسف

فإن بين سوقها أفئدة تخطّف

يا زمني على الغضا ما أنت إلا الأسف

لهفي عليك ماضيا لو ردّك التلهف

وله أيضا في هذا الباب:

إذ فاتها روض الحمى وجنوبه كفاها النسيم البابليّ وطيبه

فدعها تلسّ العيس طوع قلوبها فأمرع ما ترعاه ما تستطيبه

وإن الثمار البرض في عزّ قومها لأينع من جمّ يذلّ غريبه

يلوم على نجد ضنين بدمعه إذا فارق الأحباب جفّت غروبه

وما الخلّ إلا من فؤادي فؤاده لأهل الغضا أو من حبيبي حبيبه

وله أيضا من هذا الباب:

هل السائق الغضبان يملك أمره فما كل سير اليعملات وحيد

رويدا بأخفاف المطيّ فإنما تداس جباه تحتها وجدود

روينا من حديث المالكي، قال: أنشدني ابن قتيبة:

وكم من جاهل في الناس أضحى له عقل وليس له زمان

كفى بالمرء عيّا أن نراه له وجه وليس له لسان

وما حسن الرجال لهم بزين إذا لم يسعد الحسن البيان

وقال أيضا: أنشدني الحسن بن علي، أنشدني محمود:

ما أفضح الموت للدنيا وزينتها جدا وما أفضح الدنيا بأهليها

لا ترجعن إلى الدنيا بلائمة فعذرها لك باد في مساويه

لم يبق من عيبها شيء لصاحبها إلا وقد بيّنته في معانيه

تفنى البنين وتفنى الأهل دائبة والحرب سلم إلى من لا يدانيه

فما يزيدهم قتل الذي قتلت ولا العداوة إلا رغبة فيها

وقال أيضا: أنشدني محمد بن فضالة لغيره فيمن انقطع إلى الله عز وجل:

هم القوم بين الأرض في الأرض قد أووا إلى كنف رحب مصونون في ستر

أئمة صدق يشرحون سبيله بألسنة صينت عن اللغو والهجر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!