الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


موعظة بهلول المجنون

حدثن محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد الرحمن الدّعليّ بن علي بن محمد، حدثنا محمد بن أبي منصور، ثنا أبو الغنائم القرشي، انا محمد بن علي بن عبد الرحمن، ثنا زيد بن حاجب، أخبرنا محمد بن هارون، ثنا علي بن الحسين بن أحمد، حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي الحافظ، ثنا محمد بن الحسن الحلواني، ثنا أحمد بن عبد الله القزويني، عن الفضل بن الربيع قال: حججت مع هارون الرشيد، فمررنا بالكوفة، فإذا بهلول المجنون يهذي، فقلت له: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين، فسكت حتى حاذاه الهودج، فقال: يا أمير المؤمنين، حدثني أيمن بن بابل، حدثنا قدامة بن عبد الله العامريّ، قال:

رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل، وتحته رحل رثّ، فلم يكن بمطرد، ول ضرب، ولا إليك. قلت: يا أمير المؤمنين، إنه بهلول المجنون. قال: قد عرفته. قال البهلول: يا أمير المؤمنين أسمعك شعرا؟ قال: قل:

هب أنك قد ملكت الأرض طرّا ودان لك العباد فكان ما ذا

ليس غدا مصيرك جوف قبر ويحثو الترب هذا ثم هذ

قال: أجدت يا بهلول. أفغيره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين: من رزقه الله جمالا و مالا، فعفّ في جماله وواسى في ماله، كتب في ديوان الأبرار. قال: فظن أنه يريد شيئا.

قال: فإنّ قد أمرنا بقضاء دينك. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يقضى دين بدين، أردد الحق إلى أهله، واقض دين نفسك. قال: إنّا قد أمرنا لك أن يجري عليك. قال: لا تفعل ي أمير المؤمنين، لا تعطيك إساءتي أجري على الذي أجرى عليك. لا حاجة لي في جرأتك.

ومن شعر الشريف الرضيّ في وداع الحاج:

أيه الرائح المعد تحمّل حاجة للمعذّب المشتاق

أقر مني السلام أهل المصلى فبلاغ السلام بعض التلاقي

وإذا ما مررت بالحنيفي فاشهد أن قلبي إليه بالأشواق

وإذا ما سئلت عني فقل نض‍ وهوى ما أظنه اليوم باقي

ضاع قلبي فأنشده لي بين جمع ومنى عند بعض تلك الحداق

وابك عني فإنني كنت من قب‍ ل أعير الدموع للعشاق

ومن كلام مهيار الديلمي في الشوق:

يا لهوى لما أطقت حمله يوم الرحيل سامني ولم أطق

فارقت حولا أهل نجد والهوى ذاك الهوى وحرقي تلك الحرق

قلت لمن ظن البعاد سلوة لا تنتحل بطعم شيء لم تذق

آه لقلب شق عنه أضلعي من الحمى تخال برق أو شفق

ثار به الشوق فهبّ فيه ما تطلعا ثم تراءى ما برق

ومن شعر أبي غالب بن بشران في ذلك:

ولم ثاروا العيس للبين بينت غرامي لمن حولي دموع وأنفاس

فقلت لهم لا بأس لي فتعجّبوا وقالوا الذي أبديته كله بأس

تعوّض بأس الصبر عن وحشة الأسى فقد فارق الأحباب من ذلك الناس

ومن الشعر الذي يصرفه الصالح إذا سمعه إلى الجنان والحور والولدان:

قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج وعاد يطلب زمزما

قمر تعرّض في الطواف كأنه بدر تطلع في السماء وأنجم

ناديته بمدامع لو أنها شرّبت لشرّاب لكانت مغنما

يا طالبا بالحج رحمة ربه أرضيت بالحرمين تقتل مسلم

ومن وقائع بعض الفقراء إلى الله تعالى، ما قرأ علينا عبد الله ابن الأستاذ، قال: قال بعض الفقراء: رأيت في واقعتي الحق تعالى وهو يقول لأبي مدين: مادّة سرك بسنا نوري، وغذاء روحك برؤيتي وسروري، وقلبك موضع عظمتي وجبروتي. هي أحوال مني اقتبستها ولي رددتها، فأنت لي ولي صرف. يا أبا مدين، جاوز نظر الناظرين نظرك، و تعلق بي فكرك. فلما قدرتني قدري كنت سمعك وبصرك. وعرفتك بي فعرفتني، ونزهت سرك عن سواي فنزهتني، فأنت ظاهر وباطن بي ولي. فقال أبو مدين: سبحانك سبحانك اللهم أدم فضلك، عجزت الأوهام عن وصف وصفك، وامتلأت الأسرار أنسا بذكرك. ثنائي ثناؤك، و أمري أمرك. فواصل اللهم نوري بنورك، فلا يقتبس الفضل منك إلا بك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!