الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر البيت المعمور

اختلف الناس فيه، فقيل: هو في السماء السادسة، وقيل: في السماء السابعة. وقال ابن عباس: البيوت أربعة عشر بيتا، لو سقط الأعلى منها لسقط على الذي تحته، وكذلك كل بيت منها في السبع سماوات والسبع أرضين. وإن الله خلق لها خلقا يطوفون بها على صورنا، حتى إن فيهم ابن عباس مثلي، وهذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه أبدا. روينا ذلك في الحديث الصحيح.

وذكر شيخنا أبو زيد السهيلي الضرير المالقيّ، في الروض الآنف له، في شأن هؤلاء السبعين ألف ملك الذين يدخلون البيت المعمور، في حديث رويناه عنه، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل عليه السلام ينغمس كل يوم في نهر الحياة غمسة، ثم ينتفض فيقطر من انتفاضه من ذلك الماء سبعون ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكا، فهم الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم» .

روينا من حديث أبي الوليد، قال: حدثنا علي بن هارون العجليّ، عن أبيه، ثنا قاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، حدثني محمد بن علي بن الحسين، قال: كنت مع والدي علي بن الحسين عليهم السلام، فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه، إذ جاءه رجل شرجم من الرجال يقال له طويل، فوضع يده على ظهر أبي، فالتفت أبي إليه، فقال الرجل: السلام عليك ي ابن بنت رسول الله، أريد أن أسألك، فسكت أبي، فردّ عليه السلام، فقال: يا ابن بنت رسول الله أريد أن أسألك، فسكت أبي، وأنا والرجل خلفه حتى فرغ من أسبوعه، فدخل الحجر، فقام تحت الميزاب، فقمت أنا والرجل خلفه، فصلى ركعتي أسبوعه، ثم استوى قاعدا. فالتفت إليّ، فقمت فجلست إلى جنبه. فقال: يا محمد، أين هذا السائل؟ فأومأت إلى الرجل، فجاء فجلس بين يديّ أبي، فقال له أبي:

عمّ تسأل؟ قال: أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت، لم كان؟ وأنّى كان؟ وحيث كان؟ و كيف كان؟ فقال له أبي: نعم، من أين أنت؟ قال: من أهل الشام. قال: أين مسكنك؟

قال: في بيت المقدس. فقال: هل قرأت الكتابين؟ يعني التوراة و الإنجيل، قال الرجل:

نعم. قال أبي: يا أخا أهل الشام احفظ، ولا ترو عني إلا حقا. أما بدء هذا الطواف بهذ البيت، فإن الله تعالى قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً ، فقالت: أي رب خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها، ويسفك الدماء، و يتحاسدون، ويتباغضون، ويتباغون.

أي رب اجعل ذلك الخليفة منا، فنحن لا نفسد فيها، ولا نسفك الدماء ولا نتباغض، ول نتحاسد، ولا نتباغى، ونحن نسبّح بحمدك، ونقدّس لك، ونطيعك ولا نعصيك. قال الله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما ل تَعْلَمُونَ . فظنت الملائكة أنما قالوا ردّا على ربهم، وأنه قد غضب من قولهم، فلاذوا بالعرش ورفعوا رءوسهم و أشاروا بالأصابع يتضرّعون ويبكون إشفاقا لغضبه. فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم فنزلت عليهم الرحمة، فوضع الله سبحانه وتعالى تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد، وغشاهن بياقوتة حمراء، وسمّى البيت الضراح. ثم قال الله عز وجل للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش. قال: فطافت الملائكة بالبيت و تركوا العرش وصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكر الله عز وجل يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا.

ثم إن الله تعالى بعث ملائكته فقال: ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره. فأمر الله من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. فقال الرجل: صدقت يا ابن بنت رسول الله، هكذا كان، فهذا البيت الذي هو خامس خمسة عشر بيتا، أعني الكعبة، سبعة فوقه وسبعة تحته، وما نزل ملك قط من السماء إلى الأرض لأمر إلا استأذن ربه في الطواف ببيته، فهبط مهلّلا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!