الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر أساف ونائلة الأصنام

روينا من حديث ابن إسحاق، أن جرهم لما طغت في الحرم دخل رجل منهم بامرأة الكعبة، ففجر بها، و يقال: بل قبّلها، فمسخا حجرين اسم الرجل: أساف بن بقاء، واسم المرأة: نائلة بنت ذئب. فأخرجا من الكعبة، فنصب أحدهما على الصفاء علما، والآخر على المروة. وإنم نصبا هناك ليعتبر بهما الناس، وينزجروا عن مثل ما ارتكبا، لما يرون من الحال الذي صار إليه فلم يزل الأمر يدرس ويتقادم حتى صار يتمسح بهما من وقف على الصفا و المروة. فلما كان عمرو بن لحيّ أمر بعبادتهما وتعظيمهما والتمسح بهما:

وقال: إنهما كانا معبودين لمن قبلكم. فلما كان قصيّ بن كلاب حوّلهما من الصفا والمروة، فجعل أحدهما ملصقا بالكعبة، وجعل الآخر في موضع زمزم. وكان يطرح بينهما ما يهدي للكعبة، وكان يسمى ذلك الموضع الحطيم. وكان ينحر عندهما ويذبح، ولم يكن يدنو منهما امرأة ظلمت. وفي ذلك يقول بشر بن أبي حزم الأسدي أسد خزيمة بيتا مفردا:

عليه الطير ما يدنون منه مقامات العوارك من أساف

فكان الطائف إذا طاف بالبيت يبدأ بأساف ومستلمة، فإذا فرغ من طوافه ختم بنائلة فاستلمها. فكان كذلك حتى كسرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأصنام يوم فتح مكة، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فكان بها ثلاثمائة وستون صنما حول الكعبة قد شد بالرصاص منها، فطاف على راحلته وهو يقول: جاءَ اَلْحَقُّ وزَهَقَ اَلْباطِلُ إِنَّ اَلْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ، ويشير إليها بقضيب في يده الكريمة على بعد لا يمسّها فما منها صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه، حتى وقعت كلها، فلما صلى العصر أمر بها فجمعت، ثم أحرقت بالنار. وفي ذلك يقول فضلة بن عمير بن الملوّح الليثي في يوم الفتح شعرا:

لم رأيت محمدا وجنوده بالفتح يوم تكسّر الأصنام

لرأيت نور الله أصبح بيّنا والشرك يغشى وجهه الإظلام

وقيل: بل كان الرجل أساف بن عمرو، والمرأة نائلة بنت سهيل، فلما كسرا يوم الفتح مع الأصنام، خرج من أحدهما امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها، عريانة ناشرة شعرها، تدعو بالويل والثبور. فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: «تلك نائلة أيست أن تعبد ببلادكم أبدا» . ويقال: إن إبليس رنّ ثلاث رنّات، رنّة حين لعن فتغيّرت صورته عن زيّ الملائكة، ورنّة حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي بمكة، ورنّة حين افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فاجتمعت إليه ذريته، فقال إبليس: أيسوا أن تردوا أمة محمد الشرك بعد يومهم هذا أبدا، ولكن افشوا فيهم النوح والشعر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!