الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فصل: فيما ذكره الناس في شرف مجالسة الكتب دون الناس، وما في ذلك من السلامة في الدين

أنشد أبو الحسن بن جابر الزيّات:

كتاب الله أصدق كل قيل

قال بعضهم: الكتاب نعم الذخر والعقدة، والجليس والعمدة، ونعم النشرة والنزهة، و نعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس بساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، و نعم القربة والدخيل، ونعم الوزير والنزيل.

شعر:

احضر بنفسك في مجارات الهوى

قال بعضهم: الكتاب وعاء ملآن علما وظرفا حشي ظرفا، وإناء حشي مزاحا، إن

شئت كان أعيا باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت سردت نوادره، وشجتك مواعظه.

ومم حدّثني فيما يرجع في قول الشعر إليه شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعيد عن شيخه أبي محمد بن عبد الله بن عبدون الكاتب قال: حملني أبي إلى الأستاذ لأنظر عليه شيئا من كتب الأدب، وكنت قد بدأت قول الشعر قليلا قال: فأراد الأستاذ امتحاني في ذلك، و تعرض لتقبيح الشعر، فقال لي: يا ولدي، بلغني أنك تكتب على صغرك، فقلت:

هو كم قيل لك، فقال: أجز الشعر خطة خسف، فقلت: لكل طالب عرف للشيخ عيبة عيب، وللفتى طرف ظرف، فاستحسنه الشيخ.

حدّثني أبو جعفر بن يحيى بقرطبة قال عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله ابن سيدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سأله بعض أصحابه، وكان لا يجالس الناس ولا يرى إلا وفي يده كتاب، فقال في ذلك: لم أر آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة.

وقال بعضهم: ما رأيت بستانا يحمل في ردن، وروضة تنقل في حجر ينطق عن الموتى، ويترجم عن الأحياء، من الكتاب لك بمؤنس لا ينام إلا بنومك، ولا ينطق إلا بما تهوى، آمن من الأرض، وأكتم للسر من صاحب السر، وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة، ولا أعلم جارا أبرّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلّم أخضع، ولا صاحب أظهر كفاية وعناية، ولا أقل إبراما وإملالا، ولا أبعد من مرا، ولا أترك لشعب، ول أزهد في جدال ولا أكفّ عن قتال من كتاب.

ودخلت على بعض من مشايخي وقد جلس في حضيره من كتبه وقال: إذا أردت محادثة الحق أحدّث المصحف، فلا أزال أناجيه ويناجيني، وإذا أردت محادثة الرسول صلى الله عليه و سلم، أخذت كتاب حديث وكذلك كل من أردت مناجاته من الأولين والآخرين، ثم إني أجالس من لا ينم بمجلسي ولا ينقل حديثي، ثم أنشدني لبعضهم:

لن جلساء لا نملّ حديثهم

وقال لي بعض الأدباء: قال مصعب بن الزبير: إن الناس يتحرفون بأحسن ما يحفظون، و يحفظون أحسن ما يكتبون، ويكتبون أحسن ما يسمعون، فإذا أخذت الأدب

فخذه من أفواه الرجال فإنك لا تسمع إلا مختارا، ولؤلؤا منثورا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!