الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وبالإسناد

قال: وفد هشام إلى المدينة، فأرسل إلى أبي حازم، فقال له: يا أبا حازم عظني وأوجز، قال أبو حازم: اتق الله، وازهد في الدنيا، فإن حلالها حساب، وحرامها عذاب، قال: لقد أوجزت يا أبا حازم، ارفع حوائجك إلى أمير المؤمنين، فقال أبو حازم: هيهات هيهات قد رفعت حوائجي إلى من تنجز الحوائج دونه، فما أعطاني منها قنعت، وما منعني منه رضيت، وقد نظرت في هذا الأمر فإذا هو نصفين: أحدهما لي والآخر لغيري، فأما م كان لي فلو احتلت بكل حيلة ما وصلت إليه قبل أوانه الذي قدّر لي فيه، وأما الذي لغيري فذاك الذي لا أطمع نفسي فيما مضى ولا أطمعها فيما بقى، وكما منع غيري رزقي كذلك منعت رزق غيري، فعلام أقتل نفسي؟ حدثنا محمد بن الفضل، ثنا محمد بن أبي منصور، انا عبد القادر بن يوسف، انا أبو الحسن بن الأبنوسي، انا ابن شاهين، نب إسماعيل بن علي، حدثني القاسم بن الخطابي، نبأ عبيد الله بن محمد العبسي، ثن جعفر بن سليمان الصفي، قال: سمعت أبا يحيى مالك بن دينار يقول شعرا:

أتيت القبور فناديتها فأين المعظّم والمحتقر

و أين المذلّ بسلطانه وأين العزيز إذا ما قدر

وأين الملبّي إذا ما دعا وأين العزيز إذا ما افتخر

قال: فهتف بي هاتف يقول:

تفادو هناك فما مخبر وبادوا جميعا وباد الخبر

تروح وتغدي بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور

فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر

أخبرني أحمد بن مسعود قال: وقع بعض الخلفاء لبعض الأدباء بشيء، فتردد إلى الديوان زمانا، فلم ينفّذ له صاحب الديوان ما وقع له به، فكتب إلى الخليفة يقول:

خليفة الله وقد وقّعت لي كرما بذلك الرسم لكن من يتممه

وكل من جئته بالطرس ينبذه نبذ الحصاة كأن الطرس يؤلمه

فآه إن كان هذا قد علمت به وآه إن كان هذا لست تعلمه

قال: فغضب الخليفة على صاحب ديوانه وعزله، ونفذ توقيعه، وضاعف له.

روينا من حديث الهاشمي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، و لا تعاقبوا ظالما فيبطل فضلكم، ولا تراءوا الناس فتحبط أعمالكم، ولا تمنعو الموجود فيقلّ خيركم. أيها الناس، إن الأشياء ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعوه، و أمر استبان غيّه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم فردّوه إلى الله ورسوله. أيه الناس، ألا أنبئكم بأمرين خفيف مئونتهما، عظيم أجرهما، لم يلق الله بمثلهما: الصمت وحسن الخلق»


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!