الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


مثل في الوفاء

يقال: أوفى من فكيهة. وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة كان من وفائها أن السّليك بن السلكة غزا بكر بن وائل، وخرج جماعة من بكر فوجدوا أثر قدم على الماء فقالوا: إن هذا الأثر قدم قد ورد الماء، فقعدوا له، فلما وافى حملوا عليه فعدا، وكان من العدّائين ففاتهم حتى ولج قبة فكيهة، فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعو خمارها فنادت إخوتها فجاءوا عشرة فمنعوهم منها.

قال: و كان سليك يقول: كأني أجد خشونة ذلك الموضع على ظهري، ولم تكن حين أدخلتني تحت درعها. وقال:

لعمر أبيك والأخبار تنمي لنعم الجار أخت بني عوارا

من الخفرات لم تفضح أخاها ولم ترفع لوالدها ستار

فما ظلمت فكيهة حين قامت بنصل السيف وانتزعوا خمارا

وكتب صاحب بريد همدان إلى المأمون وهو بخراسان يعلمه أن كاتب صاحب البريد المعزول أخبره أن صاحبه وصاحب الخراج كانا تواطئا على إخراج مائتي ألف درهم من بيت المال واقتسماها بينهم، فوقّع المأمون: إنا نرى قبول السعاية شرا من السعاية، لأن السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبله وأجازه، فأنف الساعي عنك، فإن كان في سعايته صادقا لقد كان في صدقه لئيما، إذ لم يحفظ الحرمة، و لم يف لصاحبه.

و روينا من حديث نافع، قال: لقي يحيى بن زكريا عليهما السلام إبليس فقال:

أخبرني من أحب الناس إليك، وأبغضهم إليك؟ قال: أحب الناس إليّ كل مؤمن بخيل، وأبغض الناس إليّ كل منافق سخي، قال: ولم ذلك؟ قال: لأن السخاء خلق الله الأعظم، فأخشى أن يطّلع الله عليه في بعض سخائه فيغفر له.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!