الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


647.  – نور

في اللغة:

“ نور “ في أسماء اللّه تعالى: النّور، قال ابن الأثير: هو الذي يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهواه ذو الغواية ،

وقيل: هو الظاهر الذي به كل ظهور، والظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورا. ..

قال اللّه عز وجل :” اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ “[ 24 / 35 ].

وفي المحكم: النور والضوء، ايّا كان، وقيل: هو شعاعه

وسطوعه، والجمع أنوار ونيران. عن ثعلب: وقد أنار نورا وأنار واستنار ونوّر..

الأخيرة عن اللحياني، بمعنى واحد، اي أضاء “ ( لسان العرب مادة “ نور “ ).

في القرآن:

انظر: في اللغة.

عند ابن العربي:

* “ النور “ اسم من أسماء اللّه تعالى، يجعله ابن العربي في رؤيته:

 - مبدأ الخلق، أو مبدأ ظهور التعينات.

 - مبدأ الادراك أو العقل الساري في الوجود.

وعلى هذا يكون الاسم “ النور “ المنبسط على جميع الموجودات، أصل نور الوجود ونور الشهود.

يقول ابن العربي:

 - النور “ - مبدأ الخلق والظهور - نور الوجود “. .. واللّه تعالى أخرجنا من ظلمة العدم، إلى نور الوجود، فكنا نورا، باذن ربنا، إلى صراط العزيز الحميد، فنقلنا من النور، إلى ظلمة الحيرة. .. “ ( ف 3 / 412 ).

“. .. ولولا النور ما ظهر للممكنات عين، قول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلم ) في دعائه:

اللهم اجعل في سمعي نورا، وفي بصري نورا، وفي شعري نورا، حتى قال:

واجعلني نورا، وهو كذلك [ اي - نور ].

وانما طلب مشاهدة ذلك [ كونه نورا ] في الحس “ ( ف 3 / 392 ).

“. .. فإذا عمد الانسان إلى مرآة قلبه وجلاها بالذكر تلاوة للقرآن، فحصل له من ذلك نور، واللّه نور منبسط على جميع الموجودات يسمى: نور الوجود. .. “ ( ف 2 / 241 ).

 - النور “: مبدأ الادراك - نور الشهود، نور الايمان “ ولكن باسم “ النور “ وقع الادراك، وامتد هذا الظل على أعيان الممكنات في

صورة الغيب المجهول. .. “ ( فصوص 1 / 102 ).

“. .. من عرف نفسه عرف ربه، فيعلم انه الحق. فيخرج العارف المؤمن الحق بولايته، التي أعطاه اللّه، من ظلمة الغيب، إلى نور الشهود. فيشهد ما كان غيبا له، فيعطيه كونه مشهودا. .. “ ( ف 4 / 147 ).

“ فلما رأى الرسل ذلك، وانه لا يؤمن الا من أنار اللّه قلبه بنور الايمان: ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور، المسمى ايمانا، فلا ينفع في حقه الامر المعجز. .. “ ( فصوص 1 / 130 ).

****

حيث إن ابن العربي يجعل الاسم “ النور “ مبدأ الوجود والادراك، لذلك كل وجود أو خير فهو: نور، لأصله الإلهي في مقابل العدم والشر [ ظلمة - أصل كوني ].

يقول: “...

فالوجود: نور، والعدم: ظلمة ،

فالشر: عدم، ونحن في الوجود: فنحن في الخير ،

وان مرضنا فانا نصح، فان الأصل جابر، وهو: النور.

وهكذا صفة كل نور، انما جاء ليظهر ما طلع عليه، فلا تدركه الأشياء ال بك [ - الممكن - ظل وليس ظلمة ] “ ( ف 2 / 486 ).

“ ما ترى جسما قط خلقه اللّه، وبقي على أصل خلقته، مستقيما قط. ما يكون ابدا الا ماثلا للاستدارة، لا من جماد، ولا من نبات، ولا من حيوان، ولا سماء، ول ارض، ولا جبل، ولا ورق، ولا حجر، وسبب ذلك: ميله إلى أصله، وهو النور. .. “ ( ف - 2 / 647 ).

“ والروح: نور، والطبيعة: ظلمة “ ( ف 2 / 350 ).

“. .. وما الظلمة والنور اللذان عنهما الظل والضياء ؟ قلنا: النور كل وارد الهي [ - نور ] ينفر الكون [ - ظلمة ] عن الظلمة. .. “ ( ف 2 / 130 ).

****

الانسان في فكر ابن العربي تمتع بمكانة خاصة، فهو صورة للحضرتين: الإلهية

والكونية، لذلك جمع في ذاته صفة الحضرتين فهو: نور وظلمة، أو هو: النور الممتزج.

“. .. فأفاده التجلي علما. بما رآه، لا علما بأنه هو الذي أعطاه الوجود. فلما انصبغ بالنور، التفت إلى اليسار.

فرأى العدم، فتحققه، فإذا هو ينبعث منه، كالظل المنبعث من الشخص، إذ قابله النور. فقال: ما هذا ؟ فقال له النور من الجانب الأيمن: هذا هو أنت، فلو كنت أنت النور، لما ظهر للظل عين.

فأنا النور، وانا مذهبه، ونورك الذي أنت عليه، انما هو من حيث م يواجهني من ذاتك، ذلك لتعلم انك لست انا.

فأنا: النور بلا ظل، وأنت النور الممتزج لإمكانك. فان نسبت اليّ، قبلتك. وان نسبت إلى العدم، قبلك، فأنت: بين الوجود والعدم. .. “ ( ف - 2 / 304 ).

****

استفاد ابن العربي من اسم “ النور “ وأهميته. صورتان تخدمان فكرته في الوجود الواحد. فالوجود الحقيقي واحد يتكثر في صور الممكنات كما أن:

النور واحد يتكثر في الظلال، والنور لا لون له يتكثر بالزجاج الملون.

يقول:

 - صورة النور والظلال.

“. .. فما اندرج نور في نور، وانما هو نور واحد، في عين صورة خلق. فانظر ما أعجب هذا الاسم [ النور ]. فالخلق ظلمة، ولا يقف للنور، فإنه ينفرها، والظلمة لا ترى النور، وما ثم نور، الا نور الحق. .. “ ( ف 4 / 39 ).

“ وكذلك أعيان الممكنات، ليست نيرة، لأنها معدومة، وان اتصفت بالثبوت [ - ظل ]، لكن لم تتصف بالوجود، إذ الوجود نور. .. فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور “ ( فصوص 1 / 102 - 103 ).

 - صورة النور والزجاج “ فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف واصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج، يتلون بتلونه، وفي نفس الامر لا لون له “ ( فصوص 1 / 103 ).

* * *

* يستعمل ابن العربي لفظ “ نور “، يجمعها “ أنوار “، في سياق معرفي انسجاما مع اعتباره الاسم “ النور “: مبدأ الادراك، فتكون “ الأنوار “ هنا بمعنى:

“ الحقائق “.

يقول: “ اعلم أن التجلي عند القوم: ما ينكشف للقلوب، من أنوار الغيوب. وهو على مقامات مختلفة، فمنها: ما يتعلق بأنوار المعاني المجردة عن المواد، من المعارف والاسرار.

ومنها: ما يتعلق بأنوار الأنوار.

ومنها: ما يتعلق بأنوار الأرواح، وهم الملائكة.

ومنها، ما يتعلق بأنوار الرياح، ومنها: ما يتعلق بأنوار الطبيعة ،

ومنها: ما يتعلق بأنوار الأسماء، ومنها: ما يتعلق بأنوار المولدات، والأمهات، والعلل، والأسباب على مراتبها، فكل نور من هذه الأنوار، إذا طلع من أفق، ووافق عين البصيرة، سالما من العمى، والغش، والصدع، والرمد، وآفات الأعين، كشف بكل نور، ما انبسط عليه. . “ ( ف 2 / 485 ).

****

النور “ مبدأ الخلق والادراك، هو في الامر نفسه: يفني، ولا ادراك فيه، بل يدرك الانسان في الضياء.

 - النور مبدأ الخلق: يفني :” إذ بدت سبحات الوجه فاستتر 1 * فالنور يذهب بالأعيان والأثر 2

وانظر إلى من وراء النور مستترا 3 * ترى الضيا 4 فامعن فيه بالبصر

وقل لقلبك امسك عنه شاهده 5 * فعند ردك 6 تلقى لذة النظر “ 7( الديوان 42 ).

 - النور مبدأ الادراك: لا ترى فيه غيره.

“ فقال [ الحق ] لي [ العبد ]: رأيت ما أشد ظلام هذا النور، اخرج يدك فلن تراها، فأخرجت يدي فما رأيتها.

فقال لي: هذا نوري لا ترى فيه غير نفسه “ ( مشاهد الاسرار ق 39 ).

****

عودنا الشيخ الأكبر، لغة تجربة صوفية تقرب من حدود النظريات، لذلك عندما يكشف لنا عن وجه تجربته الصوفية الخاصة نتلمس فيه نبضا، سبق ان

احسسناه عند النفري، وابن الفارض. . لغة وجدان من داخل التجربة، حيث ل نرى الا عابدا ومعبودا، عاشقا ومعشوقا.

ولا وجود للقارئ، وهو الذي لا يغيب تقريبا في كتب الشيخ الأكبر.

والنص الذي سنورده فيما يلي يجمع: لغة النفري في “ مواقفه “ من ناحية.

وتدرج الكلام وصولا إلى لسان الحقيقة المحمدية الذي نجده في “ تائية “ ابن الفارض من ناحية ثانية.

المخاطب في هذا النص يتلون متدرجا مع خطاب الحق. يتكشف بعد كل مقطع خطاب، وجه له [ للمخاطب - العارف ] ونسبة. فكأن خطاب الحق هو لوجوه ونسب هذا العبد العارف، الذي نلاحظ من حركة التدرج الصاعدة الجامعة انه: محمدي المقام، وهذ يذكرنا بابن الفارض في تائيته حيث يتكلم أحيانا بلسان الحضرة المحمدية. ونستدل على تلون المخاطب من قوله في بدء النص: “ الآن أنت أنت “.

ولم ننقل النص، الا لابراز عميق تجربة الشيخ الأكبر الصوفية، وامتلاكه اللغة امتلاكا استطاع معه ان يعبر بمفردي: النور والظلمة، عن “ المقام المحمدي “ الجامع للمقامات [ - الملاحظ انها تبدأ عند كل “ ثم “ من النص ].

يقول:

“. .. ثم قال لي: الآن أنت، أنت، ثم قال لي: ترى ما أحسن هذه الظلمة.

وما أشد ضؤها، وما أسطع نورها. هذه الظلمة مطلع الأنوار 8، ومنبع عيون الاسرار، وعنصر المواد.

من هذه الظلمة أوجدك وإليها أردك ولست أخرجك منها 9.

ثم فتح لي قدر سم الخياط فخرجت عليه فرأيت بهاء ونورا ساطعا ،

فقال لي: رأيت ما أشد ظلام هذا النور أخرج يدك فلن تراها فأخرجت يدي فما رأيتها، فقال لي: هذا نوري لا ترى فيه غير نفسه.

ثم قال: ارجع إلى ظلمتك فأنك مبعود عن أبناء جنسك.

ثم قال لي: ليس في ظلمة غيرك ولا أوجدت فيها سواك. منها اخذتك. ..

ثم قال لي: كل موجود دونك خلقته من نور 10 [ - من وجود ]، الا أنت فإنك مخلوق من الظلمة [ - عدم ] “ ( مشاهد الاسرار ق 39 ).

يلاحظ في جملة الخطاب الأخير: “ ثم قال لي: كل موجود دونك. .. من الظلمة “، ان المخاطب هنا وصل إلى الاتحاد.

بمقامه المحمدي، فكان هو

المخاطب فيه. لأن النص لا يستقيم الا بنسبته إلى الحقيقة المحمدية.

فهي وحدها مخلوقة من عدم [ ظلمة ]، وكل ما دونها مخلوق من وجود [ نور ]، وفي ذلك إشارة إلى الحديث: أول ما خلق اللّه نوري ومن نوري خلق كل شيء.

..........................................................................................

( 1 ) فاستتر: حتى لا تحترق.

( 2 ) النور يذهب بالأعيان والأثر، لأن النور يفني ضده. والأعيان والأثر ضد النور لأنهما عدم وظلمة.

( 3 ) إشارة إلى أن الحق حجابه النور

( 4 ) النور لا يسمح بادراك غيره إذا كان شديدا، لذلك اتى ابن العربي بالضياء.

( 5 ) انظر “ شاهد “. "

( 6 )فعند ردك “ من المشاهدة

( 7 ) ان “ المشاهدة “ تفني، لذلك العبد لا يلقى فيها لذة. اللذة يلقاها العبد بعد خروجه من “ المشاهدة “، “ بالشاهد “ الذي بقي. انظر “ مشاهدة “ “ شاهد “.

( 8 ) الأنوار هنا يستعملها بالمعنى “ الخامس “ الذي ورد أعلاه. اي: الحقائق. “

( 9 ) الظلمة “ في هذا النص تقبل ان تفسر: العبودية المحضة في مقابل الألوهية. أو العدم في مقابل الألوهية [ نور ] لأن الانسان: لا يخرج من عبوديته، التي هي عدمه وامكانه اي ثبوته في العدم.

( 10 ) يراجع بشأن “ نور “

عند ابن العربي:

- الفتوحات ج 2 ص 305 ( النور )، 454 ( النور الأعظم )، ص 488 ( النور العظيم - النور الأعظم )، ص 632 ( النور الشعشعاني ).

- الفتوحات ج 3 ص 350 ( أنوار الاعمال )، ص 357 ( نور الشرع ).

- الفتوحات ج 4 ص 147 ( نور الوجوب - ظلمة الامكان )، ص 282 ( النور الشيبي )، ص 313 ( النور الذاتي - النور المجهول )، ص 363 ( نور الأنوار )، ص 403 ( العقل والايمان: نور على نور ).

- الفتوحات السفر الخامس فق 1 ( نور الكواكب - نورنا اليوم )، فق 31 ( النور )، فق 33 ( النور - نور الجمال الاقدس )، فق 98 ( الصلاة نور )، فق 194 ( نور في نور )، فق 240 ( نور اللّه - نور على نور )، فق 332 ( نور الشمس - أنوار الكواكب - أنوار العلوم )، فق 333 ( نور الايمان )، فق 545 ( نور العزة ).

- فصوص الحكم ج 2 ص 105 ( علاقة النور بالروحي اللطيف )

ص 106 ( الحكمة النورية )

- كيمياء السعادة ق ق 4 - 5 ( نور الأنوار ).

ولا نغفل أهمية الأصول التي اثرت في رؤية ابن العربي للنور.

يراجع بهذا الشأن:

- عفيفي، فصوص الحكم ج 2 ص 108 ( اثر الفلسفة الزرادشتية في النور والتشبيهات ).

- الحكيم الترمذي: كتاب بيان الفرق. ص 87

- الحكيم الترمذي: كتاب الرياضة ص 41

- الحكيم الترمذي: ختم الأولياء ص 121

- الغزالي، مشكاة الأنوار ص 5، 6، 7، 14، 15، 16، 23، 43

- الغزالي، رسالة معراج السالكين ص 151

- روزبهان بقلي، مجلة المشرق ص 390

- ابن سبعين وفلسفة الصوفية، التفتازاني ص 79

- نيكلسون، في التصوف الاسلامي ص 134

- زكي نجيب محمود. المعقول واللامعقول ص 20

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!