الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


574. - اللوح ( المحفوظ )

المترادفات: كل شيء 1 - النفس الكلية.

في اللغة:

“ اللام والواو والحاء أصل صحيح، معظمه مقاربة باب اللّمعان.

يقال: لاح الشيء يلوح، إذا لمح ولمع. والمصدر الّلوح. ..

ويقال: ألاح بسيفه: لمع به. وألاح البرق: أو مض. ..

الألواح: ما لاح من السلاح، وأكثر ذلك السيوف. .. ومن الباب الّلوح: الكتف، واللوح: الواحد من ألواح السفينة، وهو أيضا: كل عظم عريض. .. ومن الباب اللّوح بالضم وهو: الهواء بين السماء والأرض. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ لوح “ ).

في القرآن:

( ) ذكر اللوح المحفوظ في التنزيل الكريم مرة واحدة، وقد جعل محلا: للقرآن المجيد.

قال تعالى: ” بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ2 “. ( 85 / 22 ).

وجريا على عادتنا من تتبع ظاهر النص القرآني دون الدخول في نظريات المفسرين والمؤولين، نقف امام ابهام هذه العبارة دون الادلاء برأي خاص، قد يكون نظرية تضاف إلى النظريات التي نتجنب الوقوع في شباكها.

( ب ) ورد اللوح بصيغة الجمع في آيات ثلاث تضيفها إلى موسى عليه السلام.

قال تعالى: " وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ 3مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً “ ( 7 / 145 ).

” قال تعالى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ 4وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ “ ( 7 / 150 ).

قال تعالى: ” وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ “( 7 / 154 ).

( ج ) اللوح: لوح السفينة.

قال تعالى :” وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ “5 ( 54 / 13 ).

عند ابن العربي:

سبق لنا الكلام على نظرة الشيخ الأكبر إلى الوجود، على أنه: كتاب مسطور، وما يستتبع تلك النظرة من مفردات تتعلق بفعل الكتابة، من: قلم ولوح ومداد وأحرف وكلمات، وإلى غير ذلك ( راجع القلم الاعلى المعنى “ الأول “ ).

ولنر الان بماذا انفرد: اللوح المحفوظ.

* * * *

اللوح المحفوظ هو مرتبة وجودية تثني القلم الاعلى، فتكون بذلك أول مخلوق انبعاثي يتبوأ مرتبة الانفعال في مقابل القلم ( فاعل ) - والأنوثة في مقابل القلم ( الذكورة ) - ومحل التفصيل في مقابل القلم ( محل اجمال ).

يقول ابن العربي:

( 1 ) “ واسم اللوح المحفوظ عند العقلاء: النفس الكلية، وهي أول موجود انبعاثي، منفعل عن العقل، وهي للعقل بمنزلة حواء لآدم، منه خلق، وبه زوج فثنى “ ( ف 3 / 399 ).

“. .. [ كان ] اللوح موضعا ومحلا لما يكتب فيه هذا القلم الاعلى الإلهي. ..

[ وهو ] أول موجود انبعاثي. .. “ ( ف 1 / 139 ).

( 2 ) “فكان بين القلم واللوح نكاح معنوي معقول، وأثر حسي مشهود. .. وكان ما أودع في اللوح من الأثر، مثل الماء الدافق الحاصل في رحم الأنثى، وما حصل من تلك الكتابة من المعاني المودعة في تلك الحروف الجرمية، بمنزلة أرواح الأولاد المودعة في أجسامهم “ 6 ( ف 1 / 129 ).

( 3 ) “ اللوح محل الالقاء العقلي هو للعقل بمنزلة: حواء لآدم. .. وسميت نفسا: لأنها وجدت من نفس الرحمن، فنفس اللّه بها عن العقل، إذ جعلها محل لقبول ما يلقى إليها، ولوحا لما يسطّره فيها “. ( عقلة 55 ).

( 4 ) “ فهو [ القلم ] محل التجميل، والنفس محل التفصيل “ ( عقلة 55 ).

* * * *

اللوح المحفوظ محل حصر ما في العالم من العلوم إلى يوم القيامة، وهو موضع

تنزيل الكتب، يمد الألواح [ ألواح المحو والاثبات ] التي تتنزل منه الشرائع والصحف:

يقول:

( 1 ) “ وتجلى [ الحق ] له [ للقلم ]، في مجلى التعليم الوهبي، بم يريد ايجاده من خلقه. .. فقبل بذاته علم ما يكون، وما للحق من الأسماء الإلهية الطالب صدور هذا العالم الخلقي. فاشتق من هذا العقل موجودا آخر سماه اللوح، وامر القلم ان يتدلى اليه، ويودع فيه جميع ما يكون إلى يوم القيامة لا غير. .. فهذا [ اللوح ] حصر ما في العالم من العلوم إلى يوم القيامة 7. .. “ ( ف 1 / 148 ).

( 2 ) “ اللوح المحفوظ. .. فهو موضع تنزيل الكتب، وهو أول كتاب سطر فيه الكون “. ( عقلة ص 54 ).

( 3 ) “ النفس الكلية التي عبر عنها الشارع صلى اللّه عليه وسلم عن اللّه: باللوح المحفوظ، حفظ اللّه عليه ما كتب فيه، فلم ينله محو بعد ذلك، ول تبديل.

فكل شيء فيه، وهو المسمى في القرآن: بكل شيء، تسمية الهية. ومنه كتب اللّه كتابا وصحفه المنزلة على رسله وأنبيائه ،

مثل قوله تعالى :” وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ “[ 7 / 145 ] وهو اللوح المحفوظ. .. “ ( ف 3 / 260 ).

“ وهذه الأقلام تكتب في ألواح المحو والاثبات 8، وهو قوله تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ “[ 13 / 39 ] ومن هذه الألواح تتنزل الشرائع والصحف والكتب على الرسل صلوات اللّه عليهم وسلامه، ولهذا يدخل في الشرائع النسخ “ ( ف 3 / 61 ).

* * * *

يفارق اللوح المحفوظ القلم الاعلى بان له عند الفعل صفتين: صفة علم وصفة عمل أو الفاعلية والانفعالية.

وذلك أنه عند الفعل: منفعل بالنسبة للقلم، وفاعل: بالنسبة لما يليه وهو الطبيعة. على حين يظهر القلم: فاعلا.

ولذلك جعل ابن العربي شهود الحق في المرأة أكمل شهود لأنه: شهود الحق من حيث هو فاعل منفعل 9.

يقول ابن العربي:

“ ثم أوجد [ الحق ] فيه [ في اللوح ] صفتين: صفة علم وصفة عمل. .. فالصفة العالمة أب 10 فإنها المؤثرة. والصفة العاملة أم 11 فإنها المؤثر فيها، وعنها ظهرت الصور [ صور العالم ]. .. “ ( ف 1 / 139 - 140 ).

* * * *

أشار ابن العربي “ باللوح المحفوظ “ إلى الانسان، من حيث إنه جمع في كونه كل الأسماء والنعوت، فكان مختصرا شريفا.

والملاحظ انه يعني: “ الانسان الكامل “ الذي حفظ هذا “ الجمع “ عن المحو والاثبات 12.

يقول

“ فقال :” بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ “[ 85 / 21 ]

اي جمع 13 شريف، يعني ما هو عليه من الأسماء والنعوت” فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ “[ 5 / 22 ] وهو: أنت، إشارة واعتبارا. .. “ ( ف 4 / 193 ).

* * * *

جعل ابن العربي اللوح صفة الانفعال في مقابل القلم [ صفة الفاعل ]، فكل منفعل في الكون: لوح، وكل فاعل هو: قلم.

ونلاحظ ان اللوح هنا خسر ذاتيته وشخصيته الفردية، فبعدما كان: “ اسم علم “ أصبح: “ اسم جنس “ - إن أمكن التعبير.

يقول:

“ اللوح المحفوظ هو أيضا: قلم لما دونه، وهكذا كل فاعل ومنفعل: لوح وقلم. .. “ ( عقلة 56 ).

“ التلامذة للشيخ المتحقق :. .. ألواح منحوتة، منصوبة لرقمه وكتابته، وقبائل [ جمع: قابل ] مستعدة لنفحه. .. “ ( مواقع النجوم ص 126 ).

* * * *

يتردد كثيرا عند الشيخ الأكبر ان كل أول يسري فيما بعده 14، وبما ان القلم واللوح هما: أول عالم التدوين والتسطير 15، فلذلك حقيقتهما سارية في كل المخلوقات. فكل مخلوق دونهما يجمع في ذاته، حقيقة الأنوثة وحقيقة

الذكورة 16، حقيقة الفعل وحقيقة الانفعال.

يقول: " القلم واللوح 17: أول عالم التدين [ التدوين ] والتسطير، وحقيقتهما، [ وحقيقتاهما ]: ساريتان في جميع الموجودات، علوا وسفلا ومعنى وحسا “.

( ف 3 / 221 ).

..........................................................................................

( 1 ) يقول ابن العربي: “ هذه النفس التي هي اللوح المحفوظ وهي من الملائكة الكرام، وهو المشار اليه: بكل شيء، في قوله تعالى” وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ “[ 7 / 145 ] وهو اللوح المحفوظ “ ( عقلة ص 54 ).

( 2 ) يقول البيضاوي:

“ ( في لوح محفوظ ) من التحريف، وقرأ نافع، محفوظ بالرفع صفة للقرآن، وقرىء في لوح وهو الهواء يعني ما فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح “ ( أنوار التنزيل، ج 2 ص 302 ).

( 3 ) “. .. واختلف في أن الألواح كانت عشرة أو سبعة، وكانت من زمرد أو زبرجد أو ياقوت احمر أو صخرة صماء، لينها اللّه لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه، وكان فيها التوراة. .. “ ( أنوار التنزيل ج 1 ص 173 ).

( 4 ) “ روى أن التوراة كانت سبعة أسباع في سبعة ألواح، فلما ألقاه انكسرت فرفع ستة أسباعها، وكان فيها تفصيل كل شيء، وبقي سبعة كان فيه المواعظ والاحكام “ ( أنوار التنزيل ج 1 ص 174 ).

( 5 ) “ ( ذات ألواح ): ذات أخشاب عريضة “ ( أنوار التنزيل ج 2 ص 238 ).

( 6 ) راجع التعليق الوارد في “ القلم الاعلى “ المعنى “ الثالث “ الفقرة “ 2 “ النص الأخير.

( 7 ) يقول الجيلي بهذا المعنى :” نفس حوت بالذات علم العالم * هي لوحن المحفوظ يا ابن الآدمي

صور الوجود جميعها منقوشة * في قابليتها بغير تكاتم “( الانسان الكامل ج 2 ص 6 )

( 8 ) ويتضح معنى “ ألواح المحو والاثبات “ بما يقابلها في العالم الأصغر اي الانسان.

يقول ابن العربي:

“ العبد هو: محل الالقاء الإلهي، من خير وشر شرعا [ راجع “ خير “ ].

وهو:

لوح المحو والاثبات” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ “[ 13 / 39 ]

وعنده أم الكتاب [ انظر “ أم الكتاب “ ]، فيخطر للعبد خاطر أن يفعل أمرا ما من الأمور، ثم ينسخه خاطر آخر ،

فيمحو الأول ويثبت الثاني. هذا ما دام العبد مهتما لخواطره محجوبا. .. فإذا أيّد بالعصمة [ راجع “ عصمة “ ] ان كان نبيا، وبالحفظ ان كان وليا، عاد قلبه لوحا محفوظا مقدسا عن المحو. .. فلا يقال فيه أنه لوح محو واثبات لأنه صاحب كشف. .. سمينا هذه المقامات بهذه الاسمية لكون الانسان نسخة من العالم الكبير، فاردن ان نعرفك اين موضع اللوحين في الانسان، المقابلين للوحي العالم الأكبر. .. “ ( مواقع النجوم ص ص 79 - 80 ).

“ وللقلب وجهان: ظاهر وباطن، فباطنه: لا يقبل المحو بل هو اثبات مجرد محقق، وظاهره: يقبل المحو، وهو لوح المحو والاثبات فيثبت فيه وقتا امر ما “ ( كتاب الفناء ص 7 ).

كما يراجع: - دراسات فنية. الدكتور عبد الكريم اليافي ص 391 ( الانسان: لوح المحو والاثبات )

( 9 ) لقد بحثنا ذلك عند كلامنا على الحب. انظر الحب المعنى “ الرابع “.

( 10 ) راجع “ أب “. ( 11 ) راجع “ أم “.

( 12 ) انظر ما سبق الكلام عليه، من أن العبد هو: محل الالقاء الإلهي، وان صاحب الكشف قلبه: لوح محفوظ مقدس عن المحو والظاهر في تردد الخواطر. المعنى “ الثاني “ الفقرة “ 3 “ مع الهامش.

( 13 ) القرآن - الجمع، انظر “ قرآن “.

( 14 ) راجع “ أول “. ( 15 ) راجع “ قلم “.

( 16 ) لقد كان علم النفس الحديث إلى سنوات خلت، يفصل بين حقيقة الأنوثة وحقيقة الذكورة في الانسان إلى أن توصل الان إلى النتيجة التالية: “ ان كل انسان ذكرا أو أنثى يحمل في ذاته صفتي الأنوثة والذكورة معا “ كم من السنين سبق ابن العربي علم النفس الحديث، وكم يكون دين الصوفية كبيرا على علم النفس لو عرف هذا الأخير كيف يستفيد من ارثهم الفكري !

( 17 ) يراجع بشأن “ لوح محفوظ “ عند ابن العربي:

- ف ج 1 ص 46 ( علوم العقل المسطره في اللوح المحفوظ ).

- ف ج 2 ص 130 ( اللوح )، 282 ( قوتي العلم والعمل للوح )، 427 ( اللوح المحفوظ:

النفس الكلية ) 428 ( القلم: محل الالقاء، اللوح: محل القبول ).

- ف ج 3 ص 12 ( اللوح: حضرة التفصيل )، 28 ( النفس: اللوح، العقل: القلم ).

 ( اللوح المحفوظ )،  ( اللوح المحفوظ )،  ( صريف الأقلام في الألواح )،  ( اللوح المحفوظ: النفس )،  ( اللوح المحفوظ: النفس المنفعلة ).

- ف ج 4 ص 26 ( اللوح المحفوظ ).

- مراتب التقوى ق 168 أ.

- الانسان الكلي ق 5 ب ( لوح: منفعل - قلم: فاعل ).

- بلغة الغواص ق 132 ( اللوح ثلاثة أصناف ).

- مواقع النجوم ص ص 98 - 99 ( لوح الوجود المحفوظ )، ص 126 ( حصّن فرجه: طهر لوحه ومحاه ).

كما يراجع بشأن “ اللوح “:

- من اين استقى ابن العربي فلسفته ص 21 ،

- علم التصوف النوري ق 59 ،

- شرح الجلالة ق 3 ،

- اليواقيت والجواهر ج 1 ص ص 99 - 102 ،

- المضنون الصغير ص 186.

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!