الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


547.  – المقام

في اللغة:

“ القاف والواو والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس. ..

والاخر على انتصاب أو عزم “ ( معجم مقاييس اللغة. مادة “ قوم “ ).

“ وأقام بالمكان إقامة وقامة: دام. .. والمقامة: المجلس، والقوم وبالضم الإقامة كالمقام والمقام ويكونان للموضع. .. “ ( القاموس المحيط. الفيروزآبادي مادة “ قوم “ ).

في القرآن:

ورد لفظ “ مقام “ في القرآن اما مضافا واما موصوفا، وهو يشير إلى:

( ) موضع مكاني، مجلس

قال تعالى: ” وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى “[ 2 / 125 ].

قال تعالى: ” أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ “[ 27 / 39 ]

( ب ) مرتبة معينة معلومة: صفاتية لا مكانية.

قال تعالى: ” وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ “[ 37 / 164 ]

قال تعالى: ” عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً “[ 17 / 79 ].

عند ابن العربي 1:

نستخلص مما تقدم بحثه لدى الكلام على “ الحال “ ان المقام يتحدد 2 كالآتي:

انه تحصيل شهود أو كشف لحقيقة معينة مميزة، والترسخ في هذا التحصيل ترسخا علميا بحيث لا يصح الانتقال عنه 3.

وسنحاول ان نختصر في نقطتين كل أقوال شيخنا الأكبر في “ المقام “:

النقطة الأولى يتفق بها مع سلفه، والنقطة الثانية نتجرأ فيها ان نلخص بأسطر معدودات مثات الصفحات من الفتوحات تتعلق بالمقام.

****

المقام مكتسب ثابت في مقابل الحال ( وهب ) - وهو يوجد بوجود المقيم.

يقول ابن العربي:

( 1 ) “ وكل مقام في طريق اللّه تعالى فهو مكتسب ثابت، وكل حال فهو موهوب غير مكتسب غير ثابت، انما هو مثل بارق برق، فإذا برق اما يزول لنقيضه، واما ان تتوالى أمثاله 4. .. “ ( ف 2 / 176 ).

“ وهكذا كل مأمور به فهو مقام 5 يكتسب، ولهذا قالت الطائفة: ان المقامات مكاسب 6 والأحوال مواهب. .. “ ( ف 2 / 157 ).

“ فان النقلة في المقامات ما هي بان تترك المقام، وانما هو بان تحصّل ما هو أعلى منه، من غير مفارقة للمقام الذي تكون فيه، فهو انتقال إلى كذا، لا من كذا، بل مع كذا. .. “ ( ف 3 / 225 ).

ان النص الأخير الذي يثبت ان المقام “ ثابت “، بالفعل نفسه يميز نظرة ابن العربي إلى المقام من نظرة السلف، فالسالك في مقام معين لا يخلف وراءه المقامات التي تحقق بها، بل يحملها في أعماقه، انه لا يخلف شيئا.

( 2 ) “ المناظر العلى: من حيث هي مناظر لا وجود لها الا بوجود الناظر، كالمقامات لا وجود لها الا بوجود المقيم، فإذا لم يكن ثمّ مقام، لم يكن ثمّ مقيم. “ ( ترجمان الأشواق ص 13 ).

يوضح النصّ ان المقام حقيقة معنوية يوجدها المقيم، فالتوبة مثلا ل وجود لها بمعزل عن التائب، بل التائب هو الذي يخلقها بإقامته فيها.

****

لواردنا ان نستقصي مقامات الشيخ الأكبر لاستوجب ان نفرد لها بحثا خاص فهو قد أضاف إلى منازل السائرين المئة مئات 7، ومن الاجدى ان ننبه إلى نقطة مهمة، وهي ان ابن العربي يناقش آراء المتقدمين في المقامات ويشرحها، دون ان يتنصل من النصوص بل العكس، طريقته في شرحها توحي بأنها جزء لا ينفصل من فتوحاته، أو انها في الواقع بدايات مقاماته.

مثلا: يشرح ويحدد مقام التوبة 8 عند السلف دون ان ينتقد أو يتنصل من الصاق الكلام به، ثم في مرحلة ثانية ينتقل بالمقام إلى مرتبة أعلى.

ونحن امام خيارين: اما ان المقام له ترق. فيكون مقام السلف بدء مقاماته.

واما ان ابن العربي يورد المقامات عند السلف ليدحضها ويبين سذاجتها.

ونميل إلى جمع الرأيين معا: فابن العربي من ناحية، بنزعته الموحدة يستوعب كل كثرة ظاهرة. ومن ناحية ثانية، يتميز عن السلف بنظرة خاصة إلى الأمور. ونستطيع ان نلخص بجرأة مئات المقامات، التي يوردها ابن العربي للخلق بمقام واحد.

ودليلنا في هذا التلخيص، صفة واحدة مشتركة بين المقامات جميعا، في آخر مرحلة من مراحل تطورها وترقيها.

يتكلم ابن العربي على: مقام التوكل ومقام ترك التوكل - مقام الشكر ومقام ترك الشكر - مقام اليقين ومقام ترك اليقين - مقام الصبر ومقام ترك الصبر. ..

وهكذا يعدد المقامات جميعا، مع المقامات التي تعلوها، وهي مقامات تركه 9.

اما السبب الذي يدعو السالك إلى الترقي عن المقام، بتركه، فهو رؤيته لافتقاره وامكانه.

فالسالك ثابت في العدم 10، لا وجود له مع الحق. اذن، ترك المقام أولى.

ويمكن على هذا الأساس تلخيص كل المقامات بمقام واحد: هو مقام الافتقار أو العبودية.

فالسالك إلى الحق في “ مقام عبد “ 11.

مهما تنوعت الأسماء. ولذلك يجد ابن العربي ان الطريق إلى اللّه ل نهاية له، مع أن المقامات تتناهى 12.

“ فمقام العبد “ هو نهاية المقامات وأعلاها، وهو الذي ينطبق عليه حرفي قول ابن العربي: “ لا يصح التنقل عنه “، فالعبودية للانسان لا يصح ان ننتقل عنها.

..........................................................................................

( 1 ) لقد سبق وتحدثنا على المقام عند بحث “ الحال “ في فلسفة الشيخ الأكبر. راجع “ حال “ المعنى: الثاني، الرابع، السادس، السابع.

وبخصوص مراجع “ المقام “ تراجع مراجع “ الحال “ نفسها لان الفكر الصوفي بحثهما بالمقارنة.

( 2 ) يقول ابن العربي:

“ ولشيوخنا في هذا المقام ( - التوبة ) حدود اذكر منها ما تيسر. .. وهكذا افعل ان شاء اللّه في كل مقام إذا وجدنا لهم فيه كلاما. على أنه إذا سئلو عن ماهية الشيء لم يجيبوا بالحد الذاتي انما يجيبون بما ينتج ذلك المقام فيمن اتصف به، فعين جوابهم يدل على أن المقام حاصل لهم ذوقا وحالا. .. “ ( ف 2 / 143 )

( 3 ) ان هذا التحديد هو خلاصة المعاني المتعلقة بالحال والمتقدم ذكرها.

( 4 ) راجع “ خلق جديد “.

( 5 ) اي ان كل ما أمرنا اللّه به في القرآن من التقوى والتوبة والتوكل وغيره. .. إشارة إلى أنها مقامات يكتسبها العبد، حيث إنه لا معنى من أن يأمرن الحق بفعل لا يحصل الا بالوهب.

( 6 ) ولكن هل المقامات كلها كسب عند ابن العربي.

فلنستمع اليه يقول:

“ والنبوة والولاية مقامان وراء طور العقل ليس للعقل فيهما كسب، بل هم اختصاصان من اللّه تعالى لمن يشاء “ ( كتاب التراجم - ص 4 ).

( 7 ) يكفي للدلالة على اتساع الموضوع عنده ان نورد تقسيم الفتوحات:

“ وقد اكتمل له في هذا الكتاب ( الفتوحات ) 560 بابا موزعة على ستة أقسام كبرى هي:

المعارف ( 73 بابا )، والمعاملات ( 116 بابا )، والأحوال ( 80 بابا ) والمنازل ( 114 بابا )، والمنازلات ( 78 بابا )، والمقامات ( 99 بابا ). “ ( عثمان يحي. مقدمة الفتوحات المكية ج 1 ص 30 ).

( 8 ) راجع “ توبة “.

( 9 ) انظر الفتوحات ج 2 ص ص 139 - 370 ؛ ففي هذه الصفحات يتكلم ابن العربي على كل مقام بمفرده ومقام تركه.

( 10 ) انظر “ عين ثابتة “.

( 11 ) راجع “ عبد “

( 12 ) يقول ابن العربي:

“ ولقد اتفق لي في بدايتي [ في طريق اللّه ] وما ثم الابداية.

واما النهاية فمقولة غير معقولة “ ( ف 2 / 177 ).

“ وان كانت الواردات الإلهية لا تتناهي، فالمقامات بلا شك تتناهى. .. “ ( ترجمان الأشواق ص 21 ).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!