الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


525.  – الفقر

في اللغة:

“ الفاء والقاف والراء أصل صحيح يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غير ذلك.

من ذلك: الفقار للظّهر، الواحدة - فقارة، سميت للحزوز والفصول التي بينها. والفقير: المكسور فقار الظهر.

وقال أهل اللغة: منه اشتقّ اسم الفقير، وكأنه مكسور فقار الظهر من ذلّته ومسكنته. ..

واما قولهم: أفقرك الصيد، فمعناه انه أمكنك من فقاره حتى ترميه. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ فقر “ ).

“ فان اشتقاق الفقر لغة من: أرض فقراء، وهي التي لا نبات فيها، ولا شيء أصلا فهو من المقلوب. “ ( لطائف الاعلام مادة “ الفقر “ ورقة 143 ).

في القرآن:

الفقر في القرآن يشير إلى الحاجة وهو نعت للخلق في مقابل الغنى ( نعت للحق ).

( )” فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ “( 28 / 24 ).

( ب )” يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ “( 35 / 15 ).

عند ابن العربي 1:

يقف الباحث امام نصوص ابن العربي في الفقر سائلا: هل يتناقض هذا المفكر العظيم، فيرى: من ناحية ان الفقر صفة ذاتية للممكن، ومن ناحية ثانية يؤكد انه ينالها، وطبعا لا ينال الانسان ما هو ذاتي له. اذن ؟

اذن: ابن العربي ينظر إلى الفقر من وجهتين مختلفتين دون ان ينبه إلى ذلك.

إذ انه ينظر اليه من الوجهة الوجودية ومن الوجهة السلوكية.

فهناك، إذا جاز التعبير: فقر وجود - وفقر سلوك.

 - الفقر الوجودي:

الفقر هنا هو صفة ذاتية للممكن في جميع أحواله ( ثبوت - وجود عيني 2 ) ،

فهو في حال ثبوته يفتقر إلى مرجّح، وإذا وجد افتقر إلى مرجّح لاستمرار وجوده 3، وإلى كل ما يحويه عالمه لحفظ وجوده ( طعام، دواء. .. ).

اذن الفقر نعت ذاتي للمعدوم 4 والموجود، يشمل كل الخلق فهو عام الحكم شامله.

 – الفقر السلوكي:

ان الفقر الأول هو فقر عام واجب، اما الفقر السلوكي فهو فقر خاص عرضي، وان كان في الواقع شهودا للفقر الأول.

وتقريبا للأذهان نعطي مثلا: معية اللّه. فهي عامة بدليل الآية :” وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ “[ 57 / 4 ] وهي خاصة بدليل الآية :” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. .. “[ 8 / 46 ]، فمعية الحق العامة لم يستحقها العبد بفعل أو صفة انها: معية وجود، اما الثانية فهي معية خاصة استحقها العبد لصفة نفسية قامت به.

وكذلك الفقر الأول العام، فقر ذاتي لافضل فيه للعبد ولا تعمل يفترض مثوبة خاصة أو “ ثمرة “ معينة.

اما الفقر الثاني الخاص، فهو في الواقع:

 - شهود للفقر الذاتي: كل موجود متحقق بالفقر ولكنه لا يشعر بذلك، فمن اختار الفقر، يخيل اليه انه اختاره، ولكن العارف يستطيع ان يميز أنه يشهد فقط ويعي فقرة الأصلي.

 - ان الفقر الخاص له إضافة واحدة: إلى “ اللّه “.

فالفقر السلوكي هو “ فقر إلى اللّه “ وهذا ما يكتسبه السالك، فلا يفتقر الا إلى اللّه.

وإذا افتقر إلى اي شيء من العالم، فهو في الواقع افتقار إلى اللّه من حيث أسماؤه.

فالحق تسمى بكل اسم يفتقر اليه العبد.

فالعارف عنده هذا الشهود: اي ان كل افتقار إلى كون هو افتقار إلى اسم الهي 5.

 - ان الفقر الخاص هو سلوك نفسي ومجاهدة، بل هو ثمن القرب الإلهي وبابه.

ومن تحقق بالفقر الكامل تحققا تاما نال ثمرته: القرب الإلهي.

وهو هنا قرب النوافل: اي يكون الحق سمعه وبصره فيقول للشيء كن، فيكون.

اما نصوص ابن العربي فنوردها فيما يلي:

( )” الفقر حكم يعمّ الكون أجمعه * ولا احاشي من الأعيان من أحد “( ف 2 / 263 ).

“ فما خلق اللّه العالم على قدم واحدة الا في شيء واحد، وهو الافتقار.

فالفقر له ذاتي، والغنى له أمر عرضي “. ( ف 3 / 373 ).

( ب ) “ الغني باللّه فقير اليه فالنسبة بلفظ “ الفقر إلى اللّه “ أولى من النسبة

بالغنى، لان الغنى نعت ذاتي يرفع المناسبة بين ذات الحق والخلق، وكل طلب فيؤذن بمناسبة. .. ما في الكون الا طالب، فما في الكون الا فقير لما طلب. ويتميز الفقر عن سائر الصفات بأمر لا يكون لغيره وهو انه صفة للمعدوم والموجود، وكل صفة وجودية من شرطها ان تقوم بالموجود، ألا ترى الممكن في حال عدمه، يفتقر إلى المرجح، فإذا وجد افتقر أيضا إلى استمرار الوجود له وحفظه عليه، فلا يزال فقيرا ذ فقر في حال وجوده، وفي حال عدمه. فهو اعمّ المقامات حكما [ - الفقر الوجودي ]، فالذي يكتسب من هذه الصفة [ - الفقر السلوكي ] إضافة خاصة، وهي الفقر إلى اللّه ل إلى غيره. “ ( ف 2 263 - 264/ ).

“ قال اللّه تعالى :” يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ “[ 35 / 15 ] يعني بأسمائه، كما نحن فقراء إلى أسمائه، ولذلك أتى بالاسم الجامع للأسماء الإلهية 6. .. وباب الفقر ليس فيه ازدحام لاتساعه وعموم حكمه، والفقر صفة مهجورة وما يخلو عنها أحد 7. وهي في كل فقير بحسب ما تعطيه حقيقته، وهي ألذ ما ينالها العارف 8.

فإنها تدخله على الحق ويقبله الحق، وتقرب منها أختها وهي: الذلة.

قال أبو يزيد: قال لي الحق: تقرّب اليّ بما ليس لي الذلة والافتقار. .. نعتان للممكنات، ليس لواجب الوجود منهما نعت في اللسان. ..

وفي هذه الآية اعني آية قوله :” أَنْتُمُ الْفُقَراءُ “( 35 / 15 )

تسمى الحق لنا باسم كل ما يفتقر اليه، غيرة منه أن يفتقر إلى غيره.

فالفقير هو الذي يفتقر إلى كل شيء ولا يفتقر اليه شيء، وهذا هو العبد المحض. .. فتكون حاله في شيئية وجوده، كحاله في شيئية عدمه “ ( ف 2/ 263 ).

( ج ) “ فكل موجود إضافي متحقق بالفقر وان ولم يشعر بذلك [ - فقر وجودي ]، وان وجده فلا يعلم أن ذلك هو المسمى فقرا. .. ان الفقر نعت واجب. .. وجوب ذاتيا “ ( ف 2 / 264 ).

“ وقال [ رب العرش ] لي: ياغوث، ليس الفقير عندي من ليس له شيء، بل الفقير الذي له امر في كل شيء، إذا قال لشيء كن فيكون. ..

وقال: ياغوث، قل لأصحابك واحبابك، فمن أراد منكم صحبتي فعليه اختيار

الفقر 9، ثم فقر الفقر، ثم فقر عن فقر الفقر، فإذا تمّ فقرهم فلا هم الا انا 10 “ ( الرسالة الغوثية ق ق 79 - 79 ب ).

..........................................................................................

( 1 ) يراجع بشأن “ فقر “:

- لطائف الاعلام ق ق 143 ب - 145 ( الفقر - الفقر التام - فقر الغني - الفقير - فقير الرضى - فقر الفقر ).

- كتاب المسائل. المحاسبي ص 51 ،

- الرسالة القشيرية ص 122 ،

- اللمع. السراج ص 74 ،

- روضة الطالبين الغزالي ص 124 ،

- رسائل ابن سبعين نشر بدوي الرسالة الفقيرية ص 1 - 22 حيث توسع بشرح الفقر من ناحية: اللغة والفقه، والعقل، والطريق.

كما يراجع:

-Exegese coraniqueالأب نويا ص 27 ( مقاتل: الفقير والمسكين ).

- اما الجيلي فننقل عنه هذا المقطع من رسالته “ حقيقة اليقين “ ورقة 8: “ فان كنت ممن يطرأ عليه الخوف والرجا وقتا ما أو لفعل ما أو لشهود ما فلست من الفقر بشيء، وكذلك ان كنت ترجو امرا ما مما يتعلق بالفتح عليك. ..

فأنت مشرك مبعد ليس لك في الحقيقة قدم. والعارف عندنا من لا يتغير بوجه من الوجوه. .. إذا كل متغير ليس من الفقر على أصل “.

( 2 ) راجع “ عين ثابتة “

( 3 ) ان الخلق عند ابن العربي يتجدد مع الأنفاس ولا بد من مرجح في كل خلق.

انظر “ خلق جديد “

( 4 ) اي معدوم الوجود العيني انظر “ عدم “ “ عين ثابتة “.

( 5 ) راجع “ اسم الهي “.

( 6 ) انظر “ الاسم الجامع “.

( 7 ) يعني هنا الفقر الوجودي.

( 8 ) يتكلم هنا على الفقر السلوكي. ونلاحظ كيف ان ابن العربي ينتقل في كلامه بين نظرتين إلى الفقر دون ان ينبه القارئ إلى هذه النقلة.

( 9 ) بخصوص “ فقر “ عند ابن العربي، فليراجع:

- فصوص الحكم ج 1 ص 105 ( الفقر الكلي. الفقر النسبي ).

- الفتوحات ج 2 ص 170 ( الافتقار الذاتي )، ص 262 - 264 ( باب في معرفة الفقر واسراره ).

- الفتوحات ج 3 ص 460.

( 10 ) انظر “ قرب النوافل “.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!