الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


420. - الصّراط المستقيم

في اللغة:

“ الصاد والراء والطاء وهو من باب الابدال 1. .. وهو الطريق “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ صراط “ ).

“ القاف والواو والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس، وربم استعير في غيرهم، والآخر على انتصاب وعزم.

فالأول: القوم، يقولون، جمع امرئ. .. واما الآخر فقولهم قام قياما ،

والقومة المرّة الواحدة، إذا انتصب. .. ومن الباب: قوّمت الشيء تقويما. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ قوم “ )

في القرآن:

 ) ) ورد لفظ “ صراط “ في القرآن بمعنى الطريق، يكتسب تحديده من الصفة التي ينعت بها.

قال تعالى: ” وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ “[ 6 / 87 ]

قال تعالى: ” مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ “[ 37 / 23 ]

 ) ) ورد لفظ “ الصراط “ معرفا دون نعت، وفي هذه الحالة يشير إلى الصراط المستقيم.

قال تعالى: ” وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ 2لَناكِبُونَ “ [ 23 / 74 ]

 ) ) الصراط المستقيم: طريق حسي ضيق “ ارفع من الشعرة وأحد من السيف “ يمتد يوم القيامة فوق جهنم بين موطن الحشر والجنة. .. يجتازه المؤمن بنوره الذي يسعى بين يديه 3.

قال تعالى: ” وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ 4فَأَنَّى يُبْصِرُونَ “.

[ 36 / 66 ].

 ) ) ان “ الصراط المستقيم “ هو طريق: صفاتي في جناب الحق - معنوي سلوكي 5 حيوي بالنسبة للبشر.

( 1 ) قال تعالى: ” ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِه إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ “6 [ 11 / 56 ]

( 2 ) قال تعالى: ” فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا “. [ 19 / 43 ]

قال تعالى: ”هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ “7 ( 16 / 76 ).

عند ابن العربي:

لقد حافظ ابن العربي على المعنى اللغوي “ للصراط “ ( - طريق ).

ولكن كل عبقريته تجلت في اضفاء الأسماء والصفات على لفظ “ صراط “ ( صراط الهدى، صراط اللّه، صراط الرب )، وبالتالي في ادخاله اتون ذاتيته وتحويله من نظرة عامة إلى نظرة ذاتية، جدا.

اما عبارة “ الصراط المستقيم “ فهي تخسر كل ذاتية لها من حيث إن كل صراط، فهو مستقيم عند ابن العربي 8 ،

ولذلك سنبحث كل “ الصراط “ عنده ضمن هذا المصطلح لأنه يجمعها بصفته [ الاستقامة ]، وهذا

سيتضح في المعنى الثاني.

****

ان تصور ابن العربي للصراط الحسي يوم القيامة تصور يزاوج بين شاعريته وموقفه الفكري - وهو يسميه صراط الهدى.

يقول:

“. .. واعلم أن الصراط الذي إذا سلكت عليه وثبت اللّه عليه اقدامك، حتى أوصلك إلى الجنة هو صراط الهدى 9 الذي انشأته لنفسك في دار الدنيا من الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، فهو في هذه الدار بحكم المعنى لا يشاهد له صورة حسية، فيمد لك يوم القيامة جسرا محسوسا 10 على متن جهنم أوله في الموقف وآخره على باب الجنة، تعرف عندما تشاهده انه صنعتك وبناؤك، وتعلم أنه قد كان في الدنيا ممدود جسرا على متن جهنم طبيعتك. .. “ ( ف 3 / 32 ).

وهكذا يتضح من النص، ان البشر يحشرون في “ الموقف “، يفصلهم عن الجنة: جهنم، ولاجتيازها لا بد من “ جسر “ ( - الصراط )، هو اعمالهم في الدار الدنيا، وهكذا كلما كانت اعمالهم الخيرة كثيرة اتسع الجسر وأتاح مرورا سهلا مريحا.

****

" الصراط المستقيم “ عند ابن العربي:

هو “ صراط اللّه “، اي السبيل أو الطريق الموصل اليه.

ولا يخفى ما يفقده الصراط المستقيم من ذاتية صفاتية بنسبته إلى “ اللّه “، في نظرية تقول بالوحدة: من حيث إن كل طريق أو صراط فهو مستقيم في حق سالكه 11.

وانها كلها [ الطرق - الصراط ] توصل إلى اللّه، ولذلك تتعدد الطرق بتعدد الخلائق.

ولكننا لن نبحر في خضمها، بل سنكتفي بنظرة عامة إلى أهمها

وهي: صراط اللّه - صراط الرب - صراط العزة أو صراط العزيز - الصراط الخاص أو صراط “ محمد “ صلى اللّه عليه وسلم.

( ) صراط اللّه:

وهو الصراط المستقيم [ - الاستقامة المطلقة ] الذي تقدم الكلام عليه، وهو صراط عام تمشي عليه جميع “ الأمور “ فيوصلها إلى اللّه، يعم الشقي والسعيد 12.

من حيث نسبته إلى الاسم “ اللّه “، الجامع للأسماء الإلهية كله المتقابلة ( ضار نافع. .. ) وغير المتقابلة 13.

يقول ابن العربي:

“ صراط اللّه: وهو الصراط العام الذي عليه تمشي الأمور فيوصلها إلى اللّه، فيدخل فيه كل شرع الهي وموضوع عقلي، فهو يوصل إلى اللّه فيعم الشقي والسعيد. .. وهذا الصراط. .. هو الذي يقول فيه أهل اللّه: ان الطرق إلى اللّه على عدد أنفاس الخلائق 14. .. فان اللّه هو الجامع للأسماء المتقابلة وغير المتقابلة. .. “ ( ف 3 / 410 - 411 ).

( ب ) صراط الرب:

صراط الرب هو صراط اللّه ولكن من حيث اسم من أسمائه تعالى، وهو يطلب المربوب ليجعله مستقيما على ضوء التكليف.

يقول ابن العربي:

“ واما صراط ربك، فقد أشار اليه تعالى بقوله :” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ “[ 6 / 125 ].

يقول: كأنما يخرج عن طبعه والشيء لا يخرج عن حقيقته. .. وسمي هذ الصراط: صراط الرب، لاستدعائه المربوب وجعله مستقيما، فمن خرج عنه فقد انحرف وخرج عن الاستقامة. .. وصراط الرب لا يكون الا مع التكليف فإذا ارتفع التكليف، لم يبق لهذا الصراط عين وجودية 15 ولهذا يكون المآل إلى الرحمة 16. .. “ ( ف 3 / 412 - 413 ).

( ج ) صراط العزيز أو صراط العزة أو صراط التنزيه:

يقول ابن العربي:

“ واما صراط العزة وهو قوله تعالى :” إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ “( 14 / 1 )..

فلا يناله ذوقا الا من نزه نفسه ان يكون ربا أو سيدا، من وجه أو من كل وجه.

وهذا عزيز. ..

من حيث إنه عين الحق من خلف حجاب الاسم. .. وهذا الصراط العزيز الذي ليس لمخلوق قدم في العلم به، فإنه صراط اللّه الذي عليه ينزل إلى خلقنا، وعليه يكون معنا أينما كنا. ..

وهو صراط نزول لا عروج لمخلوق فيه، ولو كان لمخلوق فيه سلوك ما كان عزيزا، وما نزل الينا الا بنا فالصفة لنا لا له 17. .. فنحن عين ذلك الصراط. .. ولما كان الانسان الكامل صراط العزيز. .. فالحق سبحانه يختص بالنزول فيه. .. والعارف على الحقيقة ما

يسلك الا في اللّه، فاللّه صراطه وذلك شرعه. به رباطي وبنا رباطه، فهو صراطي وانا صراطه. . فهو على صراط العزيز لأنه الخالق فلا قدم لمخلوق فيه “.

( ف 3 / 411 - 412 ).

يتضح بكلمة “ خالق “ ان الصراط “ العزيز “ عزّ ان يكون لمخلوق فيه سلوك وهو: الخلق، وبالتالي المخلوقات هي صراط الحق في ظهوره وتجليه.

وبما ان الانسان هو أكمل مجلى ومظهر وهو المقصود من العالم، فهو صراط العزيز.

( د ) الصراط الخاص أو صراط محمد صلى اللّه عليه وسلم:

هو شرع محمد صلى اللّه عليه وسلم الجامع لكل الشرائع - وهو القرآن 18.

يقول ابن العربي:

“ واما الصراط الخاص وهو صراط النبي صلى اللّه عليه وسلم، الذي اختص به دون الجماعة وهو القرآن: حبل اللّه المتين وشرعه الجامع 19 ،

وهو قوله تعالى :” وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ “[ 6 / 153 ]

يعني هذا الصراط 20 المضاف اليه. .. “ ( ف 3 / 413 ).

..........................................................................................

( 1 ) يقول البيضاوي: “ والسراط من سرط الطعام إذا ابتلعه. .. والصراط من قلب السين صادا ليطابق الطاء في الاطباق. .. وقرأ ابن كثير [ 1 / 6 ]. .. بالأصل [ - السين ]. ..

والباقون بالصاد وهو لغة قريش. .. وجمعه سرط ككتب “. ( أنوار التنزيل ج 1 ص 4 ).

“ ( 2 ) (. .. عن الصراط ) عن الصراط السوي “. ( أنوار التنزيل ج 2 ص 56 ).

( 3 ) الآية 57 / 12. كما يراجعExegese coraniqueص 112.

( 4 ) انظر أنوار التنزيل ج 2 ص 153.

( 5 ) “ ( 36 / 61 ) إشارة. .. إلى عبادته. .. فان التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم “ ( أنوار التنزيل ج 2 ص 153 )

“ ( 6 )اي انه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم “ ( أنوار التنزيل ج 1 ص 233 ).

( 7 ) انظر شرح الآية أنوار التنزيل. ج 1 ص 280.

( 8 ) راجع “ استقامة “

( 9 ) اما تسمية “ صراط الهدى “ فقد يكون من باب تسمية الشيء بسببه، لأنه نتيجة الهداية في الدار الدنيا، والأرجح ان بروز هذا المصطلح في مفردات ابن العربي يرجع إلى الآية :” اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ “( 1 / 6 )

فهذا الصراط المستقيم الذي نطلب من اللّه ان يهدينا إياه، هو صراط الهدى.

( 10 ) ان نشأة الانسان في الدار الآخرة هي خلاف نشأته في هذه الدار: فالباطن هنا يتحول إلى ظاهر هناك والظاهر هنا هو باطن هناك. وحيث إن اعمال الانسان هي باطن معنوي تتجسد في الدار الآخرة، وتتحول إلى جسر حي يمتد فوق جهنم. انظر “ سوق الجنة “.

( 11 ) راجع المعنى الخاص “ للاستقامة “ عند الشيخ الأكبر.

( 12 ) ان هذه النظرة العامة إلى الصراط المستقيم يرجعها شيخنا الأكبر إلى المنبع الاثيرلديه وهو القرآن، فقد رأى أن التنزيل العزيز في الآية” اهْدِنَ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ “[ 1 / 6 ] لم يكتف بصفة الاستقامة لتخصيص النعمة، بل جعلها عامة ولذلك اتبعها بقوله تعالى” صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ “[ 1 / 7 ]

يقول القونوي في نفس الموضوع في كتابه اعجاز البيان:

“ واما فصول هذه الآية [ 1 / 7 ] فهي كالأجوبة لأسئلة ربانية معنوية، فكأن لسان الربوبية يقول عند قول العبد” اهْدِنَا الصِّراطَ “[ 1 / 6 ]: اي صراط تعني فالصراطات كثيرة وكلها لي ؟ فيقول لسان العبودية: أريد منها المستقيم. فيقول لسان الربوبية: كلها مستقيمة من حيث اني غايتها كلها وإلي مصير من يمشي عليه جميعها، فأي استقامة تقصد في سؤالك ؟ فيقول لسان العبودية: أريد من بين الجميعصِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. فيقول لسان الربوبية: ومن الذي لم أنعم عليه. .. “ ( ص 327 ).

( 13 ) راجع “ اللّه “ “ الاسم الجامع “.

( 14 ) هذا القول ينسب شبيهه إلى أبي بكر الطمستاني الفارسي ( ت: بعد 340 ه ) انظر طبقات الصوفية. السلمي ص 472: “ وقال أبو بكر: الطريق إلى اللّه تعالى بعدد الخلق “.

( 15 ) من حيث إنه إذا ارتفع التكليف، ولا يكون ذلك الا بانتهاء الحياة في هذه الدار الدنيا، يرتفع اثر الأسماء الإلهية ويكون المآل إلى الاسم اللّه أو الرحمن، الجامع لكل المخلوقات شقيها وسعيدها، وبذلك ينتفي الوجود العيني لصراط الرب باندراجه في “ صراط اللّه “. ( 16 ) راجع “ رحمة “.

( 17 ) اي ان صفة “ العزيز “ هي بالنسبة للانسان لا بالنسبة للحق. فهو صراط عزيز على أن يكون لمخلوق فيه سلوك.

( 18 ) راجع “ قرآن “

( 19 ) إشارة إلى جمعية الشريعة المحمدية لكل الشرائع من حيث جمعيته صلى اللّه عليه وسلم لكل الحقائق الظاهرة بصور الأنبياء، فهو الكلمة الجامعة. انظر “ جوامع الكلم “. ( 20 ) اما بخصوص “ الصراط المستقيم “ بوجوهه كافة عند ابن العربي فليراجع: - الفتوحات ج 2 ص ص 217 - 219، ص 222.

- الفتوحات ج 3 ص 162 - ص ص 410 - 413.

- فصوص الحكم ج 1 ص ص 106 - 109، ص ص 157 - 158.

ج 2 ص 119 - 157، 218 - 342.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!