الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


415.  – الصّدق

في اللغة:

“ الصاد والدال والقاف أصل يدل على قوة في الشيء قولا وغيره.

من ذلك الصّدق: خلاف الكذب، سمي لقوته في نفسه، ولان الكذب لا قوّة له، هو باطل.

وأصل هذا في قولهم شيء صدق، اي صلب. . والصّدّيق: الملازم للصّدق.

والصّداق: صداق المرأة، سمي بذلك لقوته وانه حق يلزم. ..

والصّداقة مشتقة من الصّدق في المودة. .. ويقال صديق للواحد وللاثنين وللجماعة، وللمرأة. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ صدق “ ).

“. .. وأقل الصدق استواء السر والعلانية، والصادق من صدق في قوله، والصّديق من صدق في جميع أقواله وافعاله وأحواله “ ( القشيري. الرسالة ص 97 )

في القرآن:

ورد الأصل “ صدق “ في القرآن على عدة وجوه:

 - خلاف الكذب قال تعالى: ” وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً “( 4 / 87 )

 – الصدقة قال تعالى :” خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ “( 9 / 103 )

 - صّدّيق: قال تعالى :” وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا “( 19 / 41 ).

 - صداق المرأة: قال تعالى: ” وَآتُو النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً “( 4 / 4 )

عند ابن العربي:

* تصدر “ الصدق “ في أهميته واسبقيته أمهات الاعمال والمواجيد، في السلوك الاسلامي عامة والصوفي خاصة. فلا يكاد نجد صوفيا لم يضعه في اطاره المناسب 1

ويكفي للدلالة على مكانته ان الحكيم الترمذي في كتابه المشهور “ ختم الأولياء “ حلل التجربة الصوفية أو الذوق الصوفي بحسب معيارين: معيار “ الصدق “ ومعيار “ المنة “ 2: فالحياة الروحية أو النشاط الروحي عنده يتحقق ويظهر في مجالين: مجال “ الصدق “ اي المجهود الانساني البحت. ومجال “ المنة “ اي العطاء الإلهي الفائق ونعمته السامية 3.

وقد سبق حكيم ترمذ شيخنا الأكبر إلى جعل “ الصدق “ بابا “ للصديقية “، فالصادق يتحول إلى “ صدّيق “، و “ الصديقية “: مقام 4.

“ فالصدق “ وصل إلى القرن السادس الهجري متربعا على عرش الوجدان الصوفي. فلم يحاول ابن العربي طمس أهميته بحجة بداهته في سلوك الطائفة بل قدمه على كل الاعمال الباطنة للمريد.

يقول:

“ واما الخمسة [ الاعمال ] الباطنة [ التي تتوجب على المريد قبل وجود الشيخ ]:

فهي الصدق، والتوكل، والصبر، والعزيمة واليقين، فهذه التسعة [ 4 ظاهرة ( الجوع - السهر - الصمت - العزلة ) + 5 باطنة ] أمهات الخير.

تتضمن الخير كله. والطريقة مجموعة فيها. فالزمها حتى تجد الشيخ “.

( ف - السفر الرابع فق 344 )

ويكفي “ الصدق “ شرف مكانة انه الطريق إلى “ الصديقية “ التي عرفها ابن العربي بقوله:

“ نور اخضر بين نورين، يحصل بذلك النور شهود عين ما جاء به المخبر من خلف حجاب الغيب بنور الكرم “ ( ف 2 / 92 ).

فالصدق أوصل الانسان إلى: شهود عين ما جاء به المخبر، اي شهود عين الخبر الصادق.

وإذا حاولنا تطبيق ذلك على الصحابي الجليل أبو بكر.

وتحرينا سبب نعت الرسول له “ بالصديق “ لرأينا في ظل ما ورد عند ابن العربي أعلاه، ان

“ الصديق “ كلما روى رسول اللّه خبرا أو قصة أو اي شيء قال: صدقت ي رسول اللّه. ولصدقه في تصديقه شهد عين ما جاء به المخبر. فكان “ الصديق “.

****

يجدر التنبيه إلى مفهوم متفرع عن “ الصدق “ وتابع له: الاخلاص “ فالاخلاص “ على أهميته التي عرفها في التصوف قبل ابن العربي 5، ظل فرعا.

وهو لا يوجود الا بعد وجود “ العمل “ أو “ الفعل “، فالاخلاص عند ابن العربي هو أشبه “ بالنية “ لذلك ارتباطه بالعمل 6.

يقول:

“ وهو ( اي الاخلاص ) من الاستخلاص. فإن الانسان قد يخلص نيته للشيطان - ويسمى مخلصا - فلا يكون في عمله للّه شيء، وقد يخلص للشركة ( - للشريك مع اللّه ). وقد يخلص للّه فلهذا قال تعالى: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) *لا لغيره، ول لحكم الشركة ( - الشريك مع اللّه ) “ ( ف سفر 3 فق 269 ب ).

“ فارتقت همتهم [ هذه الطائفة ] إلى الاشتغال بالنيات، إذ كان اللّه قد قال لهم [ وما أمروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له ]. والاخلاص ( هو ) النية.

ولهذا قيدها بقوله: “ له “، ولم يقل “ مخلصين “. .. “ ( ف سفر 3 فق 268 ).

“. .. والاخلاص عين النية “ ( ف سفر 5 - فق 532 ).

“ من وافق تأمينه تأمين الملائكة “، في الغيب المتحقق، الذي يسمونه العامة من الفقهاء “ الاخلاص “، وتسميه الصوفية “ الحضور “، ويسميه المحققون “ الهمة “ ونسميه انا وأمثالنا: “ العناية “. .. “ ( ف السفر 1 - فق 494 ).

..........................................................................................

( 1 ) ننقل بعض أقوال الصوفية في الصدق من الرسالة القشيرية ص 97:

“. .. الجنيد يقول: الصادق ينقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة ،

وقال أبو سليمان الداراني: لو أراد الصادق ان يصف ما في قلبه ما نطق به لسانه. ..

سهل بن عبد اللّه يقول: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره. ..

وقال الواسطي: الصدق صحة التوحيد مع القصد. ..

الجنيد يقول: حقيقة الصدق ان تصدق في مواطن لا ينجيك منها الا الكذب. ..

وقال دون النون: الصدق سيف اللّه ما وضع على شيء الا قطعه.

وقال سهل بن عبد اللّه: أول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم. ..

الأستاذ ابا على الدقاق يقول: الصدق أن تكون كما يرى من نفسك أو ترى من نفسك كما تكون.

وسئل الحارث المحاسبي عن علامة الصدق فقال: الصدق هو الذي لا يبالي لو خرج على قدر له في قلوب الخلق من اجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مشاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره ان يطلع الناس على السيء من عمله، فان كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من اخلاق الصديقين. .. “ ( الرسالة القشيرية ص 97 ).

ونورد هنا نصا للمحاسبي تبين فعل “ الصدق “ في القلب:

“ ان الصدق موهبة من اللّه عز وجل. فإذا وقر في القلب، انصدع لذلك نور وكان له هياج في القلب واخذ في الرأس وانتشر في سائر الجسد. فتأخذ كل جارحة منه بقسطها من الصدق على قدر الكثرة والقلة من هيجان الصدق، وعلى قدر ما وافق من ذلك رقة القلب وصحة العقل. فربما هاج الصدق في القلب فولّهه. .. وربما أبكاه واحزنه. .. وربما شهق.

وربما زال عنه العقل، ساعة ويوما ويومين. .. وربما توحش من الخلق إلى انس الوحدة. .. “ ( القصد والرجوع إلى اللّه ورقة 23 - 1 - 24 ب ) ( نقلا عن ختم الولاية ص 453 ).

ومن أقوالهم في “ الصدق “:

- سمعت ذا النون يقول: “ لم ار شيئا ابعث لطلب الاخلاص من الوحدة، لأنه إذا خلا، لم ير غير اللّه تعالى، فإذا لم ير غيره لم يحركه الا حكم اللّه. ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الاخلاص، واستمسك بركن كبير من أركان الصدق. .. “ ( السلمي. طبقات الصوفية 20 - 21 ).

- أبو سليمان الداراني

“ لكل شيء صدق، وصدق اليقين الخوف من اللّه تعالى “ ( طبقات الصوفية السلمي 82 ).

- حاتم الأصم

“ لكل قول صدق، ولكل صدق فعل، ولكل فعل صبر، ولكل صبر حسبة ولكل حسبة إرادة، ولكل إرادة إثرة “ ( طبقات الصوفية السلمي 96 ).

“ الشهوة ثلاثة: شهوة في الاكل، وشهوة في الكلام، وشهوة في النظر. فاحفظ الاكل بالثقة، واللسان بالصدق والنظر بالعبرة “ ( طبقات الصوفية السلمي 96 ).

- عبد اللّه بن خبيق

“ لا يستغني حال من الأحوال عن الصدق، والصدق مستغنى عن الأحوال كلها. ولو صدق العبد فيما بينه وبين اللّه، حقيقة الصدق، لأطلع على خزائن الغيب، ولكان أمينا في السماوات والأرض “ ( طبقات الصوفية، السلمي ص 144 ).

- عمرو بن عثمان المكي

“ ومعنى الصدق الاعتدال والعدل “ ( الطبقات الصوفية السلمي 203 ).

- أبو يعقوب النهر جوري

“ الصدق موافقة الحق في السر والعلانية “ ( طبقات الصوفية 378 ).

( 2 ) انظر: ختم الولاية ص 98

( 3 ) المرجع السابق ص 105

( 4 ) المرجع السابق ص 330

( 5 ) ننقل أقوال الصوفية في الاخلاص من الرسالة القشيرية ( ص ص 95 - 96 ) حيث نلاحظ وضعهم “ الاخلاص “ في مقابل “ الرياء “:

“ ( قال الأستاذ [ القشيري ] ) والاخلاص افراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو ان يريد بطاعته التقرب إلى اللّه سبحانه دون شيء آخر، من تصنع مخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب به إلى اللّه تعالى. .. قال ذو النون المصري: الاخلاص لا يتم الا بالصدق فيه والصبر عليه. .. والصدق لا يتم الا بالاخلاص فيه والمداومة عليه. وقال أبو يعقوب السوسي: متى شهدوا في اخلاصهم الاخلاص احتاج اخلاصهم إلى اخلاص. ..

سمعت ابا عثمان المغربي يقول:

الاخلاص من ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال وهذا اخلاص العوام، وام اخلاص الخواص فهو ما يجري عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل، ول يقع عليهم رؤية ولا بها اعتداد فذلك اخلاص الخواص.

وقال أبو بكر الدقاق: نقصان كل مخلص في اخلاصه رؤية اخلاصه، فإذا أراد اللّه تعالى ان يخلص اخلاصه سقط عن إخلاصه رؤيته لاخلاصه فيكون مخلّصا لا مخلصا. ..

قال أبو سعيد الخراز: رياء العارفين أفضل من اخلاص المريدين. ..

وقال أبو عثمان: الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق. ..

الفضيل يقول: ترك العمل من اجل الناس رياء والعمل من اجل الناس شرك والاخلاص ان يعافيك اللّه منهما.

وقال الجنيد: الاخلاص سر بين اللّه وبين العبد لا يعلم ملك فيكتبه ول شيطان فيفسده. ولا هوى فيميله. ..

وقيل لسهل بن عبد اللّه: أي شيء أشد على النفس ؟

فقال: الاخلاص لأنه ليس لها في نصيب. ..

يوسف بن الحسين يقول: أعز شيء في الدنيا الاخلاص وكم اجتهد في اسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت عن لون آخر “.

( 6 ) يقول الجرجاني:

“ الاخلاص: في اللغة ترك الرياء في الطاعات، وفي الاصطلاح تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه وتحقيقه ان كل شيء يتصور ان يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه يسمى خالصا. .. والفرق بين الاخلاص والصدق: الصدق أصل وهو الأول. والاخلاص فرع وهو تابع. وفرق آخر: الاخلاص لا يكون الا بعد الدخول في العمل. “ (التعريفات مادة “ اخلاص".


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!