الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


244. - الخيال

المترادفات: العالم الأوسط - البرزخ الأعظم - الحضرة الوسطى - حضرة الخيال.

في اللغة:

“ الخاء والياء واللام أصل واحد يدلّ على حركة في تلوّن. فمن ذلك الخيال، وهو الشخص. وأصله ما يتخيله الانسان في منامه، لأنه يتشبه ويتلوّن. .. والخيل معروفة. .. سميت الخيل خيلا. .. لاختيالها. .. لان المختال في مشيته يتلون في حركته ألوانا. .. ويقال تخيّلت السماء، إذا تهيأت للمطر. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ خيل “ ).

في القرآن:

الأصل خيل لم يرد في القرآن بصيغة الاسم [ خيال ]، وانما ورد فعل للدلالة على الوهم والتشبيه في مقابل الحق والحقيقة.

قال تعالى: ” فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى “[ 20 / 66 ].

عند الشيخ ابن العربي:

* تدفّق “ الخيال “ عند الشيخ ابن العربي سيلا مخصبا مثمرا باسطا حكمه على كل العوالم، متداخلا في كل الحقائق، مشكلا عالما وسطا وحقيقة برزخية: بين عالم المعاني المجردة وعالم المحسوسات.

فالخيال ليس تخيلا نزويا عابرا لا قيمة واقعية له، كما أنه ليس خيال خلّاقا كما عرفه الفنانون، بل طاقة وقوة ذات بعد حقيقي واقعي يسعى إلى التحقق في الحس بشكل دائم ابدي أزلي، ينتمي إلى عالم له مقاييس خاصة به وحقائق وسطية برزخية.

وهاك بعض نصوص الشيخ ابن العربي تبين مدى اتساع رقعة سلطان الخيال، وصفاته الذاتية.

يقول:

 - اتساع سلطان الخيال

“ علم الخيال هو علم البرزخ 1، وعلم عالم الأجساد التي تظهر فيه الروحانية 2، وهو علم سوق الجنة 3، وهو علم التجلي الإلهي في القيامة في صور التبدل 4، وهو علم ظهور المعاني التي لا تقوم بنفسها مجسدة مثل الموت في صورة كبش 5، وهو علم ما يراه الناس في النوم 6، وعلم الموطن الذي يكون فيه الخلق بعد الموت وقبل البعث 7، وهو علم الصور وفيه تظهر الصور المرئيات في الأجسام الصقيلة كالمرآة 8، وليس بعد العلم بالأسماء الإلهية ولا التجلي وعمومه أتم من هذا الركن [ - الخيال ]، فإنه واسطة العقد اليه تعرج الحواس واليه تنزل المعاني وهو لا يبرح من موطنه تجبى اليه ثمرات كل شيء، وهو صاحب الإكسير 9 الذي تحمله على المعنى فيجسده في اي صورة شاء. .. فهو المشهود له بالتصرف التام وله التحام المعاني بالأجسام. .. “ ( ف 2 / 309 ).

“. .. ما أوجد اللّه أعظم منه [ من الخيال ] منزلة ولا أعم حكما يسري حكمه في جميع الموجودات والمعدومات من محال وغيره، فليس للقدرة الإلهية فيم اوجدته أعظم وجودا من الخيال منه ظهرت القدرة الإلهية. .. وهو حضرة المجلى الإلهي في القيامة وفي الاعتقادات [ - اله المعتقدات ]. .. “.

( ف 3 / 508 ).

 - صفات الخيال الذاتية:

“. .. فقد ثبت ان الحكم له [ للخيال ] بكل وجه وعلى كل حال في المحسوس والمعقول. .. وفي الصور المعاني. .. وحقيقة الخيال التبدل في كل حال والظهور في كل صورة. فلا وجود حقيقي لا يقبل التبديل الا اللّه، فما في الوجود المحقق الا اللّه، وأما ما سواه فهو في الوجود الخيالي 10. .. فكل ما سوى ذات الحق: خيال حائل وظل زائل فلا يبقى كون. .. ولا شيء مما سوى اللّه، أعني ذات الحق، على حالة واحدة بل تتبدل من صورة إلى صورة دائما ابدا، وليس الخيال الا هذا. .. والعماء هو جوهر العالم كله فالعالم ما ظهر

الا في خيال، فهو متخيل لنفسه فهو هو وما هو هو ومما يؤيد ما ذكرناه” وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ “[ 8 / 17 ] فنفى عين ما أثبت، اي تخيلت انك رميت. .. “ ( ف 2 / 313).

“. .. الخيال من حقيقته ان يجسد ويصور ما ليس بجسد ولا صورة. ..

فهو حسّ باطن بين المعقول والمحسوس. .. “ ( ف 3 / 377 ).

“ فقد جمع الخيال بين الاطلاق العام الذي لا اطلاق يشبهه، فان له التصرف العام في الواجب والمحال والجائز. .. وهذا هو تصرف الحق في المعلومات بوساطة هذه القوة، كما أن له التقييد الخاص المحض فلا يقدر ان يصور امرا من الأمور الا في صورة حسية قد اخذها من الحس. .. “ ( ف 3/ 470 )..

يقسم الشيخ الأكبر الخيال اربع مراتب:

الخيال المطلق - الخيال المحقق - الخيال المنفصل - الخيال المتصل.

الخيال المطلق: هو الحضرة الجامعة والمرتبة الشاملة ( ف 2 / 310 ).

، يقبل التشكل في صور الكائنات كلها على اختلافها، وليس ذلك الا “ العماء “ ( انظر “ عماء “ ) [ من حيث قابليته للتشكل في صور الكائنات ].

الخيال المحقق: هو الخيال المطلق أو العماء نفسه ولكن بعد قبوله صور الكائنات.

الخيال المنفصل: هو عالم له حضرة ذاتية يظهر في الحس ويدرك منفصلا عن شخص المتخيل الناظر، كتصور جبريل في صورة دحية للنبي.

الخيال المتصل: وهو القوة المتخيلة في الانسان وما لها من طاقة على خلق صور تبقى ببقاء المتخيل.

يقول الشيخ ابن العربي:

( 1 ) “ الخيال [ الخيال المطلق - العماء ]. .. فإنه أوسع الكائنات وأكمل الموجودات ويقبل الصور الروحانيات، وهو التشكل في الصور المختلفة من الاستحالة الكائنة. .. “ ( ف 2 / 311 ).

“ ان حقيقة الخيال المطلق هو المسمى بالعماء الذي هو أول ظرف قبل كينونة

الحق. .. ففتح اللّه تعالى. في ذلك العماء صور كل ما سواه من العالم، الا ان ذلك العماء هو الخيال المحقق. الا تراه يقبل صور الكائنات كلها ويصور م ليس بكائن. هذا لاتساعه فهو عين العماء لا غيره. .. “ ( ف 2 / 310 ).

“ فالصور [ صور العالم ] بما هي صور هي المتخيلات. والعماء الظاهرة فيه هو الخيال. .. “ ( ف 2 / 311 ).

“ ( 2 ) الخيال وله حالان: حال اتصال وهذا الحال له بوجود الانسان وبعض الحيوان، وحال انفصال وهو ما يتعلق به الادراك الظاهر منحازا عنه في نفس الامر كجبريل، في صورة دحية ومن ظهر من عالم الستر من الجنة من ملك وغيره. .. “ ( ف 3 / 442 ).

“. .. القوة المتخيلة في الانسان وهو الخيال المتصل. .. فالفرقان بين الخيال المتصل والخيال المنفصل ان المتصل يذهب بذهاب المتخيل، والمنفصل حضرة ذاتية قابلة دائما للمعاني والأرواح فتجسدها بخاصيتها لا يكون غير ذلك، ومن هذا الخيال المنفصل يكون الخيال المتصل، والخيال المتصل على نوعين: منه ما يوجد عن تخيل ومنه ما لا يوجد عن تخيل كالنائم. .. “ ( ف 2 / 311 ).

يقسم الشيخ ابن العربي الوجود شقين: حقيقي وخيالي. فالوجود الحقيقي هو اللّه، والخيالي هو كل ما سواه. وهذا يرجعنا إلى الحقيقة الواحدة كما تتجلى له بوجهيها: الحقي والخلقي.

فالوجه الحقي له الوجود الحقيقي والوجه الخلقي وجه ذو وجود خيالي متوهم.

فالعالم: خيال. ولكن ليس بالمعنى السطحي العابر بل بكل ما يحوى الخيال من طاقات ايجابية موضوعية ذات فعالية مشهودة في الحس.

وقد استند الشيخ ابن العربي في تصنيفه العالم خيالا إلى حديث شريف يقول: “ ان الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا “ ولا يخفى ان كل ما يرى في حال النوم فهو خيال.

اذن العالم خيال، والخلق نيام، اي في مواطن الخيال.

وقد افرد في كتابه فصوص الحكم فصا كاملا ( الفص التاسع ) تتلامح في سطوره تبعية العالم للخيال ( فليراجع ). نختار منه الجمل التالية 11:

“. .. ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قال: “ ان الناس نيام فإذ ماتوا انتبهوا “ وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل [ الرؤى ]. .. وكل م ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال 12، ولهذا يعبر. .. ثم قال يوسف. . .” هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا “[ 12 / 100 ]، اي أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال ،

فقال النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم: “ الناس نيام “ فكان قول يوسف “ قد جعلها ربي حقا “ بمنزلة من رأى في نومه انه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها. ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح. فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت وأولتها بكذا. هذا مثل ذلك، فانظر كم بين ادراك محمد صلى اللّه عليه وسلم وبين ادراك يوسف عليه السلام “ ( الفصوص ج 1 ص ص 99 - 101 ).

“ فكما لا يزول عنه [ عن العالم ] باختلاف الصور اسم الظل، كذلك ل يزول باختلاف الصور اسم العالم، أو اسم سوى الحق. .. فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال. اي خيّل لك انه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر. ..

فاعلم انك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس انا: خيال.

فالوجود كله خيال في خيال 13. والوجود الحق انما هو اللّه خاصة من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسماؤه 14. .. فما في الكون الا ما دلت عليه الأحدية، وما في الخيال الا ما دلت عليه الكثرة. .. “ ( فصوص 1 / 103 - 104 ).

..........................................................................................

( 1 ) ان الخيال له كل صفات البرزخ، لان حقيقته برزخية بتوسطه عالم المعاني المجردة وعالم المحسوسات انظر “ برزخ “.

( 2 ) كظهور جبريل للنبي صلى اللّه عليه وسلم في صورة دحيّة الاعرابي الجميل، هذا التجسد للروح لا يكون الا من عالم الخيال.

( 3 ) انظر “ سوق الجنة “

( 4 ) ان للحق تجليات يوم القيامة في صور المعتقدات فيقبل وينكر وبم ان الحق لا صورة له فتصوره من عالم الخيال. .. انظر “ اله المعتقدات “.

( 5 ) يوم القيامة يحي عليه السلام، يذبح الموت في صورة كبش أملح، والكبش الأملح يجسد:

معنى، لا جسد له ( الموت ). فلذلك ينتمي إلى عالم الخيال - انظر :Exegese coranique pp. 106 - 107.

( 6 ) ان الرؤى والأحلام لها وجود برزخي وسطي بين الواقع الحسي والمعاني المجردة. فالاحلام من عالم الخيال.

( 7 ) البرزخ في أحد معانيه يشير إلى عالم وسطي بين حياة الدنيا وحياة الآخرة، وهذه الحقيقة الوسطية تنسبه إلى عالم الخيال. انظر “ برزخ “.

( 8 ) ان صورة الاشخاص في المرايا لها وجود برزخي بين الحس والمعقول. فهي من عالم الخيال.

( 9 ) يرى الشيخ ابن العربي ان الخيال هو “ إكسير التجسيد “ بمعنى ان كل معنى يتجسد في عالم الخيال دون استثناء حتى أعلى المعاني مثل الألوهية. فالحق الذي ليس كمثله شيء وهو بخلاف كل تصوراتنا يتصور في صور المعتقدات في عالم الخيال. انظر “ اله المعتقدات “.

( 10 ) انظر خيال المعنى “ الثالث “.

( 11 ) كما سبق أن أوردنا نصا من الفتوحات ينبت وجود كل ما سوى اللّه وجودا خياليا.

( انظر المعنى “ الثاني “ السابق النص الأول من الفقرة “ الثانية “ ).

( 12 ) يراجع بخصوص “ خيال “ عند الشيخ ابن العربي:

- فصوص الحكم: الفص التاسع: فص حكمة نورية في كلمة يوسفية ج 1 ص ص 99 - 106، وص 159، ج 2 ص 77، 105 ،

- الفتوحات ج 2 ص 113 ( الخيال والتخيل ).

- الفتوحات 3 ص 47 ( علاقة الخيال المتصل بالمنفصل )، 234 ( الخيال )، 455 ( الخيال حق ) 470 ( التضاهي الإلهي الخيالي ) 473 ( الجولان في الملكوت خيال )، 509 - 510 ( حضرة الخيال في الدنيا. )

- ف 4 ص 19 ( الخيال ) ص 108 ( موطن الخيال - خزانة الخيال ).

- كما اننا نجد فيضا من القول وغزارة في التفهم عند هنري كوربان الذي جذبه مذهب الشيخ ابن العربي في الخيال. فكتب كتابهLimagination creatriceمدفوعا بواقعية الخيال الايجابية التي تفرد به الشيخ الأكبر. فليراجع خاصة: المقدمة ص ص 5 - 8. كما يراجع ص ص 161 - 164.

- ختم الأولياء ص 178 هامش 65، ص ص 179 - 180 الهوامش، ص ص 229 - 230، ص 292، ص 315، ص 509.

- دراسات فنية في الأدب العربي عبد الكريم اليافي ص ص 372 - 378: حيث يبين ان مكانة الخيال في فلسفة الشيخ ابن العربي تشف عن طبيعة واستعداد ومزاج جميعها ذات رؤى وتخيل بعيد. كل ذلك مثبت بحوادث من حياة الشيخ ابن العربي الخاصة. فليراجع.

( 13 ) قارن كلام الشيخ ابن العربي في أن العالم متوهم ما له وجود حقيقي وان الوجود كله خيال مع نظرة ابن سبعين إلى “ الوهم “. فهو يصدر كل لوح من الواحه بعبارة “ اللّه فقط “ بما يتلامح فيها من أن الوجود واحد: فان كل ما عقل أو أحس فهو مرتبة ووجود، فالعقل مرتبة والحس مرتبة والمراتب زائلة والوجود ثابت والثابت حق والزائل وهم باطل.

اذن اللّه هو الوجود والوهم هو المراتب الزائلة والباطلة.

انظر: ابن سبعين وفلسفته الصوفية التفتازاني ص 198 - 201 ،

( 14 ) انظر “ اسم الهي ".


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!