الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


242.  – الاختيار

في اللغة:

“ الخاء والياء والراء أصله العطف والميل، ثمّ يحمل عليه. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ خير “ ).

ولما كان المعنى اللغوي لهذا الأصل هو العطف والميل، أضحى لفظ الاختيار في الفكر الانساني مرادفا للميل والترجيح، فالاختيار يفترض ممكنين وبه يرجح أحدهم على الآخر، فيكون.

في القرآن:

لقد وردت لفظة الاختيار بمعنى الاصطفاء والحرية.

قال تعالى: ” وَأَنَا اخْتَرْتُكَ 1فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى “ [ 20 / 13 ].

قال تعالى: ” وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ “2. [ 28 / 68 ].

عند الشيخ ابن العربي:

لقد خرج الشيخ ابن العربي بنفيه للاختيار الإلهي 3، عن الخطين الصوفي والفلسفي في الفكر الذي سبقه.

اما خروجه عن الخط الصوفي، فذلك لان الاختيار مرتبط بالحرية، والمتصوف بخلاف علماء الكلام والفلاسفة يطلق حرية اللّه، حتى تعمّ المخلوقات في كلياته وجزئياتها دون ان تتعارض حريته مع عدله 4.

ويتلخص خروجه عن الخط الفلسفي في أن الاختيار يثبت مفهوم الممكن في البنيان الفكري. و “ الممكن “ لم يزل موجودا كمفهوم في الفكر الاسلامي، إلى أن اتى الشيخ ابن العربي ونفى الاختيار فتبعه الممكن، الذي أصبح عنده واجبا 5.

ان الاختيار يقتضي الانتقاء بين شيئين أو فعلين، وبالتالي رجوعا إلى الذات وهذا محال في الجناب الإلهي، اذن الاختيار عند الشيخ ابن العربي ليس انتقاء بين ممكنين بل هو إرادة اللّه نفسها.

يفرق الشيخ الأكبر بين المشيئة والإرادة. فالمشيئة هي الوجود باسره ما ظهر منه وما لم يظهر مما استأثر به الحق في غيبه. في حين ان الإرادة هي النسبة الإلهية التي خصصت شطرا من الغيب بالظهور 6. وهنا على مستوى الإرادة يبرز الاختيار انه ليس اختيارا بل إرادة خصصت قسما من الغيب بالظهور.

فالمشيئة الإلهية في شمولها للوجود هي أحدية. اي انها لا اختيار فيه والاختيار يبرز على مستوى الظهور ليتحد بالإرادة لان موضوعهما واحد.

وهكذا ينفي الشيخ ابن العربي الاختيار الإلهي كانتقاء، لأنه يفترض رجوعا إلى الذات وانقساما في أحدية المشيئة، ويلصقه بمفهوم “ الإرادة “ التي من شأنها التخصيص 7. وهكذا يجب ان نفهم الاختيار في وروده عند الشيخ الأكبر.

ويمكن تعريف “ الاختيار “ كالآتي:

الاختيار هو تعلق الذات الإلهية بالممكنات من حيث ما هي الممكنات عليه، ولا نجد ضرورة في الاسهاب بشرح موقف الشيخ ابن العربي لان النصوص التي سنورده جلية، غنية في وضوحها عن كل تفكر.

يقول:

( 1 ) “ ان الحقيقة تثبت الإرادة وتنفي الاختيار. .. وان كان ورد. .. “ وربك يخلق ما يشاء ويختار [ 28 / 68 ] “. .. انه سبحانه مريد غير مختار، وانه في الوجود ممكن أصلا، وانه [ الوجود ] منحصر في الوجوب والاستحالة. ..

فمهما ذكرت. .. مما يدل على الامكان أو الاختيار. .. وغير ذلك مم تأباه الحقائق فإنما اسوقه للتوصيل والتفهيم الجاري 8 “ ( انشاء الدوائر ص ص 10 - 11 ).

“ أقول بالحكم الإرادي 9، لكني لا أقول بالاختيار فان الخطاب بالاختيار الوارد، انما ورد من حيث النظر إلى الممكن، معرّى عن علته وسببيته “ ( ف السفر الأول ص 198 ).

“ ( 2 ) ولو كانت المشيئة تقتضي الاختيار لجوزنا رجوع الحق إلى نفسه، وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح، فمحال على اللّه الاختيار في المشيئة، لأنه محال عليه الجواز لأنه محال ان يكون للّه مرجح يرجح له امرا دون أمر، فهو المرجح لذاته. فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا ل يعقل الممكن ابدا 10. .. “ ( ف 3 / 375 ).

“والحق ليس له الا مشيئته *** وحيدة العين لا شرك يثنيها

والاختيار محال فرضه فإذا *** اتى فحكمته الامكان تدريها

وإذا زال الامكان زال الاختيار وما بقي سوى عين واحدة. .. “ ( ف 3 / 356 ).

“ واما العلم بكونه ( - تعالى - ) مختارا، فان الاختيار تعارضه أحدية المشيئة فنسبته ( اي الاختيار ) إلى الحق، إذا وصف به انما ذلك من حيث ما هو الممكن عليه، لا من حيث ما هو الحق عليه. .. “ ( ف السفر الثالث ص 57 ).

يتضح من النصوص السابقة، السبب الذي حدا الشيخ ابن العربي إلى عدم تجويزه اطلاق نسبة لفظة “ الاختيار “ على اللّه.

وهذا يتعارض مع ما ذهب اليه الجيلي في نقده 11.

وبينما لا يطلق الشيخ ابن العربي لفظ الاختيار على الجناب الإلهي لأنه يتعارض واحدية المشيئة نجده يترك فعل الاختيار للانسان.

ولكن اي اختيار، انه مجبور في اختياره.

يقول:

“ فان كل مؤلف انما هو تحت اختياره. وان كان مجبورا في اختياره. .. ونحن، في تواليفنا. .. لسنا كذلك. “ ( ف السفر الأول ص 265 ).

( 3 ) ومن خلال تمييز الشيخ الأكبر بين الاختيار والمشيئة والإرادة في النص التالي استخلصنا التعريف السابق.

يقول:

“ تعلقها [ الذات ] بالممكنات من حيث ما هي الممكنات عليه يسمى: اختيارا، تعلقها بالممكن من حيث تقدم العلم قبل كون الممكن يسمى: مشيئة، تعلقه بتخصيص أحد الجائزين للممكن على التعين يسمى: إرادة 12. .. “ ( ف 1 / 114 ).

..........................................................................................

( 1 ) اخترتك - اصطفيتك للنبوة. انظر أنوار التنزيل ج 2 ص 22 ،

( 2 ) في هذه الآية يظهر الاختيار الإلهي مشابها للحرية.

اي ان اللّه يخلق ما يشاء ويختار يكملها البيضاوي لا موجب عليه ول مانع له. فالاختيار هنا حرية الفعل.

كما أن الآية نفسها تنفي الاختيار عن العبد فهو فيه منوط بدواع ل اختيار له فيها. ( انظر أنوار التنزيل ج 2 ص 102 ) ويربط الترمذي بين الاختيار والخير بتعريفه للخير قائلا: “ فالخير ما وقع عليه اختيار اللّه للعباد “. ثم إن الاختيار والخير مصدرهما اللغوي واحد.

يراجع: تحصيل نظائر القرآن. الترمذي. تحقيق حسني زيدان ص 78، نوادر الأصول الترمذي ص ص 89 - 95 ( الاختيار من الخير ).

( 3 ) اننا نطرح الاختيار هنا على المستوى الإلهي لا على الصعيد الانساني.

( 4 ) يراجع بشأن الاختيار على مستوى الفعل الانساني عند المتكلمين. دراسات في الفكر العربي ماجد فخري ص ص 77 - 89.

( 5 ) راجع “ ممكن “ ،

( 6 ) ( وجود، امكان، معلوم )Voir Massignon Passion ed. gallimand T 3 P. P. 82 - 83( 7 ) راجع “ مشيئة “.

( 8 ) وهكذا يجب ان نفهم كل ما يورده الشيخ ابن العربي حول ما يتعلق بالاختيار. يقول في ديوانه.

مكتبة المثنى ص 37 .” له التصريف والاحكام فينا * هو المختار يفعل م يشاء “( 9 ) اي بدور الإرادة في تخصيص قسم من الغيب بالظهور.

( 10 ) انظر “ ممكن “.

( 11 ) ينتقد عبد الكريم الجيلي موقف الشيخ ابن العربي من الاختيار قائلا:

“ فاعلم أن الإرادة الإلهية المخصصة للمخلوقات على كل حالة وهيئة صادرة من غير علة ولا بسبب، بل محض اختيار الهي لأنها اعني الإرادة حكم من احكام العظمة أو وصف من أوصاف الألوهية. .. وهذا بخلاف ما رأى الامام محي الدين بن العربي رضي اللّه عنه فإنه قال: لا يجوز ان يسمى اللّه مختارا، لأنه لا يفعل شيئا بالاختيار بل يفعله على حسب ما اقتضاه العالم من نفسه، وما اقتضى العالم من نفسه الا هذ الوجه الذي هو عليه فلا يكون مختارا. ..

ولقد تكلم [ الشيخ ابن العربي ] على سر ظفر به من تجلي الإرادة وفاته منه أكثر مما ظفر به، وذلك من مقتضيات العظمة الإلهية ولقد ظفرنا بما ظفر به ثم عثرنا بعد ذلك، في تجلي العزة على أنه مختار

في الأشياء متصرف فيها بحكم اختيار المشيئة، الصادرة لا عن ضرورة ول مريد بل شأن الهي ووصف ذاتي. .. “ ( الانسان الكامل ج 1 ص 49 ).

لا يبين الجيلي مفهوم الاختيار عند الشيخ ابن العربي وكيفية انتقاله من اختيار انتقائي إلى إرادة فاعلة معينة، فالشيخ ابن العربي لم ينف الاختيار ليقع في جبرية يريد ان ينفيها عن اللّه الجيلي، كلا. لقد أوضح الشيخ الأكبر ان السبب في نفيه للاختيار هو ان المشيئة الإلهية واحدة، اما تعلقها بالعالم فلا يوقعها في جبرية تحكمها أعيان الممكنات، بل يشير إلى تعلق الاختيار الإلهي أو الإرادة الإلهية بالعلم الإلهي نفسه. فالاختيار مرتبط بالعلم وما أعيان الممكنات الا صورة العلم الإلهي. اذن اين الجبرية التي ينفيها الجيلي مجلا الجناب الإلهي عنها. انها في الحقيقة تعلق الإرادة بالعلم الإلهي.

( 12 ) حرفيا، التعريفات نفسها للاختيار والمشيئة والإرادة نراها في كتاب الشيخ الأكبر. كتاب المسائل ص 34 نشر حيدرآباد.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!