الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


238. - خلق جديد

ان تصور الشيخ الأكبر للعالم، تصور حيّ حركي يضاهي التصورات العلمية الحديثة بعد استكشاف الذرة وحركتها الدائمة. فالعالم يفنى ويخلق في كل لحظة خلق أزليا أبديا.

اما المقدمات التي الزمت الشيخ ابن العربي بهذه النتيجة فهي:

أولا - ان لكل ظهور في العالم أصلا الهيا:

والأصل الإلهي القائل :” كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ “[ 55 / 29 ]

يستدعي التغير والتبدل والتحول المستمر في صور الكائنات.

كما أن الأصل الإلهي الثاني: الوسع الإلهي.

يقتضي ان لا يتكرر تجل أصلا.

فكل تحول يحدث نتيجة الأصل الأول، يؤدي إلى “ مثل “ نتيجة الأصل الثاني.

وثمة أصل ثالث الهي يقول: ان اللّه خالق على الدوام. وهذا يستدعي

مضافا إلى الأصلين السابقين: دوام، تحول صور الكائنات إلى أمثالها.

ثانيا - اما من ناحية الممكنات فقد ساعدت صفاتها الخاصة على تحقق الأصول الثلاثة المتقدمة وتتلخص هذه الصفات.

( ) ان الممكنات أو الأعيان الثابتة هي ثابتة لا تزال في العدم م شمّت رائحة الوجود 2. ودوام ظهورها في الحس يقتضي دوام ايجادها في كل لحظة لأنه فانية معدومة دائما.

( ب ) ان الممكنات لها الافتقار الذاتي، فلو استمرت زمنين لا تصفت بالغنى عن الخالق، وذلك ينافي التفرقة التي شدد عليها الشيخ ابن العربي بين الصفات الذاتية للحق وللخلق، فالخلق له دوام الافتقار إلى الايجاد والظهور.

ثالثا - ان التفرقة بين الحق والخلق هي تفرقة اعتبارية محضة، فالوجود واحد هو الحق الذي يتجلى في كل لحظة فيما لا يحصى عدده من الصور.

اذن:

ان الخلق في تغير دائم مستمر أو هو على الدوام في خلق جديد، بمعنى ان التجلي الإلهي الدائم لم يزل ولا يزال، ظاهرا في كل آن في صور الكائنات.

وهذا الظهور مع كثرته ودوامه لا يتكرر ابدا، فالمخلوقات في كل لحظة تفنى اي تذهب صورتها لتظهر مثليتها في اللحظة التالية، ويجب الا نقول بوجود فاصل أو انفصال زمني. بل زمان ذهاب الصورة هو عين زمان وجودها الجديد.

وهذا الخلق الجديد يلتبس على غالبية المخلوقات فيظنون المثل الظاهر في اللحظة الثانية هو عين الأول.

ولا يخلص من هذا اللبس الا أهل الكشف.

يقول الشيخ ابن العربي:

“( 1 ) ان في العالم الحسي والكون الثابت استحالات مع الأنفاس، لكن ل تدركها الابصار ولا الحواس الا في الكلام خاصة وفي الحركات. .. وأصل ذلك كله اعني أصل التغير من صورة إلى مثلها أو خلافها، لتغير الأصل الذي يمده وهو التحول الإلهي في الصور. .. وهو قوله تعالى :” كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ “[ 55 / 29 ]. .. فلما كان اللّه كل يوم هو في شأن كان تقليب العالم الذي هو صورة هذا القالب من حال إلى حال مع الأنفاس، فلا يثبت العالم قط على حال واحدة زمانا فردا لأن اللّه خلّاق على الدوام، ولو بقي العالم على

حال واحدة زمانين لا تصف بالغنى عن اللّه، ولكن الناس في لبس من خلق جديد. .. “ ( ف 3 / 198 - 199 ).

“. .. ان جوهر العالم في الأصل واحد لا يتغير عن حقيقته، وان كل صورة تظهر فيه فهي عارضة تستحيل في نفس الامر في كل زمان فرد، والحق يوجد الأمثال على الدوام لأنه الخالق على الدوام والممكنات في حال عدمها مهيأة لقبول الوجود. .. “ ( ف 3 / 452 ).

“ فهو [ الحق ] خلّاق على الدوام. والعالم مفتقر اليه تعالى على الدوام افتقارا ذاتيا. .. “ ( ف 2 / 208 ).

“ واعلم أنه ليس في العالم سكون البتة، وانما هو متقلب ابدا دائما من حال إلى حال دنيا وآخرة ظاهرا وباطنا. .. “ ( ف 3 / 303 - 304 ).

“. .. فالمخلوق لا يوجد ابدا 3. .. “ ( ف 2 / 113 ).

“ ( 2 ) تجديد الخلق مع الأنفاس: زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الاعراض في دليل الأشاعرة “ ( فصوص 1 / 156 ).

” كل وقت فأنت خلق جديد *** ولهذا لك الفنا والنشور “( ف 4 / 8 )

“( 3 ) ان اللّه يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي، ويرون [ أهل الكشف ] أيضا شهودا ان كل تجل يعطي خلقا جديدا 4 ويذهب بخلق، فذهابه هو عين الفناء عن التجلي والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر “ ( الفصوص 1 / 126 ).

“ فيحدث نشأة الانسان مع الأنفاس ولا يشعر، وهو قوله تعالى :” وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ “[ 56 / 61 ]

يعني مع الأنفاس، وفي كل نفس له فينا انشاء جديد بنشأة جديدة ومن ل علم له بهذا فهو في لبس خلق جديد “ [ 50 / 15 ] “، [ ف 2 / 46 ].

“ والتجدد مع الأنفاس في الأكوان معقول. .. “ ( ف 3 / 404 ).

..........................................................................................

( 1 ) لقد اعتبر دارسو الشيخ ابن العربي عبارة “ خلق جديد “ من الكلمات الرئيسة(Termes - Clefs

في فلسفته التصوفية فأفاضوا في تأمل جوانبها واستقصوا مصادرها. ولذلك نكتفي بان نرجع القارئ إلى أهم ما كتبوه، متجاوزين به مقارنات تدخل في صميم نظريات الشيخ ابن العربي لا مصطلحاته. فليراجع: - عفيفي: “ من اين استقى الشيخ ابن العربي فلسفته الصوفية “ مجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة 1933 ص 39 –

–حيث يبين الأصول الفكرية لنظرية الشيخ ابن العربي في الخلق الجديد المستمدة من مذهب الأشاعرة في الجواهر والاعراض التي لا تبقى زمانين.

- عفيفي. فصوص الحكم ج 2، فهرس المصطلحات الفنية مادة “ خلق جديد “

- التفتازاني. مدخل إلى التصوف الاسلامي ص ص 245 - 247 ،

- سيد حسين نصر، ثلاثة حكماء مسلمين ص ص 146 - 148.

وننقل منه هذا المقطع:

“ انه [ العالم ] يفنى في كل لحظة، فيخلق من جديد في اللحظة التالية، دون انفصال زمني بين الحالتين. فهو يعود إلى الذات الإلهية في كل لحظة من لحظات التقلص، ويعود إلى الظهور والتجلي في حالة التمدد. فالكون إذا تجل للذات الإلهية التي تتجدد في كل لحظة دون ان “ تتكرر “ في جوهرها. .. هذا، كما أن استمراره “ الأفقي “ الظاهر، يخترقه “ السبب العمودي “ الذي يدمج كل لحظة من الوجود بمبدئه المتعالي. .. “

- هنري كوربانLimagination creatriceص 149 - 154 حيث يفيض في شرح أوجه الشبه بين نظرية الأشاعرة في الجواهر والاعراض ومذهب الشيخ ابن العربي في الخلق الجديد. كما يربط بالخلق الجديد مصطلحات كالنفس الرحماني، السببية، الأعيان الثابتة، الفناء، البقاء، القيامة .-Islam. Jean During P. P. 208 - 209 ( Le renouvellement continu de la creation )كما أن عبارة “ خلق جديد “ هي قرآنية تتشوف ام بشرا آخرين، أو خلق البعث.

قال تعالى: ” إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ “[ 35 / 16 ].

قال تعالى: ” وَقالُو إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً إِنَّ لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً “ *[ 17 / 49 ].

على أن الآية التي اورقت في برد ظلالها فلسفة الشيخ ابن العربي بالخلق الجديد هي قال تعالى: ” بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ 50 / 15 ]. “

( 2 ) انظر “ عين ثابتة “.

( 3 ) المخلوق لا يوجد ابدا لأنه ينزع بشكل تلقائي إلى البقاء في أصله وهو العدم، فكل ما أوجده الحق غلب عليه أصله اي فني، ليوجده الحق وهكذا. ..

( 4 ) يراجع بشأن “ خلق جديد “ عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 1 ص 79، 118، 162 ( الانتقال مع الأنفاس إلى الأمثال )، 188 ( اللّه خلاق على الدوام ).

- الفتوحات ج 2 ص 142 ( التوبة والخلق الجديد )، ص 205 ( نفي الإعادة للوسع الإلهي )

- الفتوحات ج 3 ص 253، 254 ( الاستحالة بتجديد الأمثال )، 288، 348 ( الخلق مع الأنفاس يتجدد )، 407.

- الفتوحات ج 4 ص 146 ( جمال جديد - خلق جديد )، 320

- الفصوص ج 1 ص 125 ( الخلق الجديد - مناقشة الشيخ ابن العربي نظرية الأشاعرة والحسبانية ). ص 155 ( شرح انتقال عرش بلقيس في ضوء الخلق الجديد )، 157 ( تجديد الخلق بالأمثال ).

- كتاب المسائل ص 23 ،

- ترجمان الأشواق ص 86 ،

- رسالة لا يعول عليه ص 14 ،

- رسالة المقنع في ايضاح السهل الممتنع مخطوط الظاهرية رقم 5570 ورقة 143 ( قلب الأعيان ).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!