الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


235.  – الخلق

في اللغة:

“ الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما: تقدير الشيء، والآخر: ملاسة الشيء.

فاما الأول فقولهم: خلقت الأديم للسّقاء، إذا قدّرته. .. ومن ذلك الخلق وهي السجيّة لان صاحبه قد قدّر عليه. .. وفلان خليق بكذا. .. اي هو ممن يقدّر فيه ذلك. .. ومن الباب رجل مختلق: تام الخلق.

والخلق: خلق الكذب، وهو اختلافه واختراعه وتقديره في النفس. قال اللّه تعالى :” وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً “[ 29 / 17 ].

واما الأصل الثاني فصخرة خلقاء اي ملساء. .. اخلولق السحاب:

استوى. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ خلق “ ).

في القرآن:

( ) الخلق في القرآن فعل في الأصل للحق بل مرتبط بالألوهية وقد يضاف إلى الانسان 1 ويحتفظ الحق باسم التفضيل “ أحسن “.

قال تعالى: ” قُلْ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ “[ 46 / 4 ].

قال تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ “[ 22 / 73 ].

قال تعالى: ” فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ فَل تَذَكَّرُونَ ." [ 16 / 17 ]

قال تعالى :” ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ “[ 23 / 14 ]..

( ب ) الخلق فعل ينسحب على كل ما سوى اللّه، فاللّه: الخالق، وكل م عداه يشمله فعل خلقه ( ومن هنا اطلاق لفظ الخلق على المخلوق ).

قال تعالى: " أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ “[ 6 / 101 ].

قال تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ “[ 21 / 33 ].

قال تعالى: ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. “[ 67 / 2 ]

( ج ) ورد في القرآن افعال كالتسوية والتصوير والتقدير تشابه الخلق - وكل هذه الأفعال تشعر باثنينية الخالق والمخلوق.

قال تعالى :” وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً “[ 25 / 2 ].

قال تعالى :” خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ “[ 64 / 3 ]

قال تعالى :” سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ." [ 87 / 2 ]

قال تعالى :” هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى “[ 59 / 24 ]..

( د ) ورد “ الخلق “ في مقابل “ الامر “ اي ان اللّه له ان يباشر الخلق، وله ان يأمر به بلفظ “ كن “، فيحوز بذلك فعل الخلق بوجهيه

قال تعالى: " أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ “[ 7 / 54 ].

والجدير بالذكر ان القرآن لم يلق ضوءا كافيا يهتدي به لتقرير هل كان الخلق عن عدم حقيقي.

عند الشيخ ابن العربي:

ابرز ملامح الخلق عند حكيم مرسيه نلخصها في النقاط التالية:

 - ان الخلق ليس من العدم( -creation exnihilo)بل من وجود علمي إلى وجود عيني. “ اللّه خالق “: في فلسفة الشيخ ابن العربي تعني ان اللّه يظهر أو يخرج الأعيان الثابتة إلى الوجود الظاهر المحسوس الخارجي. وهذا للّه وحده فليس في طاقة مخلوق ان تتعلق ارادته باظهار الأعيان الثابتة ( انظر “ عين ثابتة “ ).

 - ان الخلق لم يحدث في زمن معين بل هو دائم مع الأنفاس. فالحق لا يزال دائما ابدا خالقا والعالم لا يزال دائما ابد فانيا ( انظر “ خلق جديد “ ).

 - ان فعل الخلق لا يستدعي اثنينية الخالق والمخلوق، ومن هنا استبدل الشيخ ابن العربي بلفظ “ خلق “ عبارات وتمثيلات حاول ان يشرح فيها تلك العلاقة بين وجهي الحقيقة الواحدة. فنراه أحيانا يلجأ إلى النور والظلال، إلى الصور والمرايا إلى الظاهر والمظاهر.

كل ذلك ليسكب تلك الاثنينية المشهودة في الحس والمتوهمة 2 في وحدة ايمانية أو شهودية كشفية.

فالخلق هو: تجلي الحق في صور العالم.

فهو الظاهر في كل مظهر ( انظر “ تجلي “ ).

 - نظر الشيخ ابن العربي إلى لفظ الخلق من وجوه أربعة:

 - الخلق - خلق ايجاد. وهو تعلق الإرادة باظهار عين المراد اظهاره.

 - الخلق - خلق تقدير. وهو تعيين الوقت لاظهار عين الممكن.

 - الخلق - فعل الخلق.

 - الخلق - اسم. بمعنى المخلوق.

وهو أحد وجهي الحقيقة الواحدة:

حق خلق، وهو يمثل كل صفات الانفعال والتأثر والفقر والمعلولية في مقابل كل صفات الفعل والتأثير والغنى والعلية ( حق ) ،

انظر [ “ اسم الهي “ المعنى “ الرابع “ ] كما أن كل مخلوق له بعد واحد هو بعد الخلق اي المخلوق ما عدا الانسان فإنه يتميز ببعدين: خلق وحق فهو خلق حق.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ( 1 ) وقال [ تعالى ]” فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ “[ 23 / 14 ] فذكر ان ثمة خالقين اللّه أحسنهم خلقا، فإنه تعالى يخلق ما يخلق عن شهود. والخالق من العباد لا يخلق الا عن تصور، يتصور من أعيان موجودة يريد ان يخلق مثلها أو يبدع مثلها، وخلق الحق ليس كذلك فإنه يبدع أو يخلق المخلوق على ما هو ذلك المخلوق عليه في نفسه وعينه، فما يكسوه الا حلة الوجود بتعلق يسمى الايجاد. فمن أوقفه اللّه كشفا على أعيان ما شاء من الممكنات فليس في قوته ايجادها. اي ليس بيده خلعة الوجود التي تلبسها تلك العين الثابتة الممكنة 3، اعني بالمباشرة ولكن له الهمة 4:

وهي إرادة وجودها لا إرادة ايجادها منه لأنه يعلم أن ذلك محال في حقه. . فإذا علق همته بوجودها يتعلق الحق القول بالتكوين 5. .. “ ( ف 4 / 86 ).

“ ( 2 ) قال تعالى: فماذا بعد الحق الا الضلال وليس الا الخلق، والضلال الحيرة [ انظر حيرة ] وبالخلق ظهر حكم الضلال. .. وما سمى [ الخلق ] خلقا الا بم يخلق منه، فالخلق جديد، وفيه حقيقة اختلاق لأنك تنظر اليه من وجه فتقول هو حق، وتنظر اليه من وجه فتقول هو خلق، وهو في نفسه لا حق ولا غير حق.

فاطلاق الحق عليه والخلق كأنه اختلاق، فغلب عليه هذا الحكم فسمي خلقا، وانفرد الحق باسم الحق. .. “ ( ف 4 / 279 ).

“ وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم. فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود. وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود [ انظر شرح المقطع في الجزء الثاني من الفصوص ]. .. “ ( فصوص 1 / 108 ).

” فكل من في الوجود حق *** وكل من في الشهود خلق “( ف 3 / 306 )

( 3 )

( ) “ والخلق قد يكون بمعنى الايجاد ويكون بمعنى التقدير 6. كما أنه قد يكون بمعنى الفعل. .. ويكون بمعنى المخلوق [ اسم ]. .. “ ( ف 1/ 171 ).

“ فان الخلق 7 يريد به المخلوق في موضع مثل قوله” هذا خَلْقُ اللَّهِ “[ 31 /11 ]، ويريد به الفعل في موضع مثل قوله :” ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ “[ 18 / 51 ]. .. “ ( ف 4 / 289 ).

( ب ) “ فكل ما سوى الانسان: خلق، الا الانسان فإنه خلق وحق. .. “ ( ف 2 / 396 ).

“. .. غابت انسانيته في ربه فتكونت عنه الأشياء، ولا تتكون الا عن اللّه.

وغابت الربوبية في انسانيته فالتذ بالأشياء وتنعم واكل. .. فهو: خلق حق. .. “ ( ف 2 / 441 ).

..........................................................................................

( 1 ) للسلب أو الانكار غالبا.

( 2 ) ان الخلق متوهم عند الشيخ ابن العربي. بل يذهب إلى ابعد من ذلك إلى اثبات ان الخلق مشتق من الاختلاق كما سيرد في النصوص.

( 3 ) انظر “ عين ثابتة “.

( 4 ) انظر “ همة “

( 5 ) اي ان في طاقة الانسان مشاهدة الأعيان الممكنة في حال ثبوته بالكشف عن عالم الثبوت، وله ان تتعلق ارادته بظهورها في عالمنا المحسوس، ولكن ليس في طاقته اظهارها، بل اللّه تعالى - عند إرادة هذا الانسان لوجودها - يوجدها. ونلاحظ انه مهما كان دور الانسان سلبيا في فعل الخلق يظل سببا في اظهار عين الممكن من حيث تعلق همته بوجوده.

( 6 ) انظر فيما يتعلق بخلق الايجاد وخلق التقدير:

- الفتوحات ج 4 ص ص 210 - 211 ( الامر الإلهي بالتكوين بين خلقين: خلق تقدير وخلق ايجاد ).

( 7 ) يراجع بشأن خلق عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 2 ص 242 - 243 ( تخلق )، 246 ( تخلق )

- الفتوحات ج 3 ص 404

- الفتوحات ج 4 ص 63 ( الحق والخلق )، 90 ( نسب تعالى الخلق لعبده )، 94 ( تخلق ) ص 108 ( الخلق والتصوير )، 150 ( الخلق وفق بين الحق والطبيعة )، 210 - 214 ( الخالق البارىء المصور )، 358 ( تخلق ).

- الفصوص ج 1 ص 88 ( الخلق بالوهم - الخلق بالهمة )، 136 ( تخلق ) ،

- الفصوص ج 2 انظر فهرس الاصطلاحات مادة خلق.

- رسالة روح القدس ص 128 ( خلق اللّه الأسباب والمسببات )، ص 141 ( ابراز المعدوم ) ،

كما يراجع:

- اصطلاحات الصوفية: عز الدين بن عبد السلام بن غانم المقدسي ق 82 ب

- التوجه الأولى. القونوي ق 10 ( حق خلق ) .-Islam Jean During. P. P. 202 - 205 ( Le sens de la creation selon Ibn Arabi )Apercu sur lesoterisme islamique et le Toaisme par Rene guenon ed .gallimard P. P. 88 - 101 ( creation et manifestatiom ).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!