الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


185.  – الحياة

في اللغة:

“ الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي [ هو ] ضد الوقاحة. فاما الأول فالحياة والحيوان وهو ضد الموت والموتان. ويسمى المطر حيا لان به حياة الأرض. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ حيي “ ).

في القرآن:

جعل التنزيل الحياة في مقابل الموت وهما يتحققان في الانسان، أو الأشياء في مقابل الحي الذي لا يموت [ اللّه تعالى ].

( ) قال تعالى :” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا “[ 67 / 2 ].

قال تعالى: ” فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها “[ 35 / 9 ].

( ب ) قال تعالى: ” وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ “[ 25 / 58 ].

كما تعرض القرآن للحياة الدنيا التي تغري البشر، مستنكرا عليهم التعلق بها وايثارها على الحياة الأخرى.

قال تعالى :” وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ “[ 29 / 64 ].

عند الشيخ ابن العربي 1:

* ان كل شيء في الأكوان حي عند الشيخ ابن العربي سواء ما اطلق عليه عرفا مفهوم الحياة [ كالانسان والحيوان والنبات جزئيا ]، وما لم يطلق عليه هذ المفهوم [ الجماد ] 2.

فالحياة سارية في كل الموجودات [ مستندها الإلهي الاسم: الحي ].

اما القياس الذي استعمله الشيخ ابن العربي لتأكيد حياة كل الموجودات فهو التالي:

المقدمة الأولى: كل شيء يسبح بحمد اللّه [ إشارة إلى الآية 17 / 44

” وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ “]

المقدمة الثانية: كل من يسبح فهو حي

النتيجة: كل شيء هو حي.

وهذه النتيجة لا يقرّ بها الا المؤمن أو صاحب الكشف. الأول يقرّ به ايمانا بالسند القرآني السابق، والثاني يقرّ بها شهودا وعيانا فهو يشهد تسبيح كل الموجودات من الجماد وغيره وبالتالي يشهد حياتهم. فلنرجع إلى نصوص الشيخ الأكبر.

يقول:

“ ان الموجودات كلها ما منها الا من هو حي ناطق أو حيوان ناطق [ حتى ] المسمى جمادا أو نباتا أو ميتا 3 لأنه ما من شيء من قائم بنفسه وغير قائم بنفسه، الا وهو مسبح ربه بحمده، وهذا نعت [ التسبيح ] لا يكون الا لمن هو موصوف بأنه حي “ ( ف 3 / 490 - 491 ).

“ وما ثم شيء الا وهو حي، فإنه ما من شيء الا وهو يسبح بحمد اللّه ولكن لا نفقه تسبيحه الا بكشف الهي. ولا يسبح الا حي. فكل شيء حي. .. “ ( فصوص 1 / 170 ).

“. .. ان اللّه سبحانه اخذ بابصار بعض عباده عن ادراك هذه الحياة السارية والنطق والادراك الساري في جميع الموجودات. .. فمن ظهرت حياته سمي حيا، ومن بطنت حياته فلم تظهر لكل عين سمي نباتا وجمادا، فانقسم عند المحجوبين الامر وعند أهل الكشف والايمان لم ينقسم فاما صاحب الكشف. ..

فيقول. .. سمعنا ورأينا. .. ويقول أهل الايمان: آمنا وصدقنا قال تعالى :” وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ “[ 17 44 /] وشيء نكرة. ..

وقال :” وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ “[ 13 13 /]. ..

كل شيء حي ناطق. .. “ ( ف 3 / 258 ).

“ اخذ اللّه بابصارنا عن ادراك حياة المسمى جمادا ونباتا مع علمنا أنه حي في نفس الامر ايمانا، فإنه مسبح بحمد اللّه ولا يسبح الا حي ناطق “ ( ف 4 / 177 ).

ان الحياة السارية في الأكوان، غابت عن ابصار العامة لأنهم يجعلون شرطها الحس، فكل من له ملكة الحس فهو حي. الا ان الشيخ ابن العربي جعل شرطها

العلم. ولذلك استطاع ان يفيضها على كل الكائنات من حيث إن كل كائن يسبح فهو عالم بتسبيحه وان كنا نحن لا نفقه تسبيحه 4.

يقول:

“ وخلق [ اللّه تعالى ] الحيوان على مزاج يقبل به الألم واللذة بخلاف النبات والجماد، فإنهما وان اتصفا بالحياة عند أهل الكشف فإنهما على مزاج لا يقبل اللذة والألم. .. “ ( ف 3 / 264 ).

“ ثم إنه ما من شرط الحي ان يحس فان الاحساس والحواس امر معقول زائد على كونه حيا، وانما من شرطه العلم وقد يحس وقد لا يحس. .. “ ( ف 3 / 324 ).

كما أن الحياة ليس من شرطها الاحساس كما تقدم، كذلك يرى الشيخ ابن العربي انها تخالف الروح: فما كل حي روح.

يقول:

“ الروح حي بلا شك وما كل حي روح “ ( ف 3 / 346 ).

“. .. وما عدا الحيوان فروحه عين حياته لا أمر آخر. .. فزال عن الجبل اسم الجبل [ عندما تجلى له الحق فاندكّ ] ولم يزل عن موسى بالصعق اسم موسى ولا اسم الانسان، فأفاق موسى ولم يرجع الجبل جبلا بعد دكه، لأنه ليس له روح يقيمه. فان حكم الأرواح في الأشياء ما هو مثل حكم الحياة لها. فالحياة:

دائمة في كل شيء. والأرواح - كالولاة وقتا يتصفون بالعزل ووقتا يتصفون بالولاية، ووقتا بالغيبة عنها مع بقاء الولاية، فالولاية ما دام مدبرا لهذا الجسد الحيواني، والموت عزله، والنوم غيبته مع بقاء الولاية عليه “. ( ف 2 / 540 ).

بعدما عمم الشيخ ابن العربي الحياة 5 حتى غمرت حنايا جميع الكائنات، نراه في نظرة أخرى يحصرها بمن توصل إلى جعل حياته باللّه، وهو الانسان الكامل 6 الذي حمل الأمانة 7 اي الخلافة في العالم فأدى إلى كل ذي حق حقه 8.

يقول:

“. .. والامر أمانة فأدها إلى أهلها قبل ان تسلبها وتوصف بالخيانة، فاعطها عن رضى قلبك تفز برضا ربك، فهؤلاء هم الاحياء وان ماتوا.

للّه قوم وجود الحق عينهم *** هم الاحياء ان عاشوا وان ماتوا. ..

لا يأخذ القوم نوم لا ولا سنة *** ولا يؤودهم حفظ ولو ماتوا. ..

اللّه كرّمهم. اللّه شرّفهم *** اللّه يحييهم به إذا ماتوا

لقد رأيتهم كشفا وقد بعثوا *** من بعد ما قبروا من بعد ما ماتوا “.

( ف 4 / 395 )

كما يستعمل الشيخ ابن العربي لفظ الحياة بمعنى “ النعيم “ فالحياة الدنيا هي: نعيم الدنيا.

يقول:

“ واعلم أن الحياة الدنيا 9 ليست غير نعيمها، فمن فاته من نعيمها شيء فما وفيت له. .. “ ( ف 4 / 121 ).

..........................................................................................

( 1 ) “ الحياة: هي احدى المنازل العشرة التي يشتمل عليها قسم الحقائق. .. ويعنون بها وصول السيار إلى المقام الذي هو فوق المعاينة، التي هي فوق المشاهدة المرتفعة عن المكاشفة. .. وذلك بان تتجلى الحقائق بأعيانها وأوصافها وخصوصياته على وجه لا يحجب الوصف عن العين، فيسمى ذلك التجلي حيوة لان صاحبه يأمن من موت. .. الانفصال عن عين هذا الاتصال، ومن موت الغيبة عن أزل الازال وعند ذلك يتحقق بالوصول إلى نهاية الآمال فيحيى بحياة الكبير المتعال، وإلى التحقق بهذه الحياة أشار من حيي بها وهو شيخ العارفين [ ابن الفارض ] بقوله في قصيدة نظم السلوك: فل حيّ، الا من حياتي حياته، وطوع مرادي كل نفس مريدة ( الديوان ص 95 ). “ ( لطائف الاعلام مادة “ حيوة “ ورقة 85 ).

كما يراجع: - كتاب بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب. الترمذي ص ص 94 - 96.

[ حيث يتكلم على حياة الانسان بربه بعد ان يموت معناه. ويقسم الحياة إلى الوجوه التي يراها العامة منها: حياة النفس بالروح وهي حياة الدواب والبهائم،. . حياة القلب من ظلمة الكفر بنور الايمان، حياة النفس بالعلم، حياة العبد بنور الطاعة من ظلمة المعصية، حياة التائب بنور التوبة من ظلمة الأحرار - ثم إن الترمذي يجد ان كل حي انما سمي حيا بالروح. اذن أينما توجد روح توجد حياة وبالتالي: حياة القلب بروح الحكمة وروح الصدق وحياة الصدر بروح الاسلام ].

.Exegese coraniqueالأب نويا ص 155 [ الوحي - حياة ].

( 2 ) نجد مقدمات هذه النظرة إلى حياة الجماد عند ابن قسي. انظر مقال عفيفي “ أبو القاسم بن قسي وكتابه خلع النعلين “ مجلة كلية الآداب. جامعة الإسكندرية سنة 1957 ص 79.

( 3 ) راجع كتاب “ النطق المفهوم من أهل الصمت المعلوم “ تأليف الشيخ الإمام أحمد بن طغربك “. طبع المطبعة الميمنية بمصر احمد البابي الحلبي رجب سنة 1308 ه. حيث يورد أمثلة من نطق الحيوان والوحوش والحشرات والنبات والطير والجمادات والسحاب. . الخ.

( 4 ) الآية 17 / 44.

( 5 ) يراجع بشأن الحياة عند الشيخ ابن العربي.

- بلغة الغواص ورقة 84 [ الموت: حياة مطموسة ].

- الفتوحات ج 4 ص 365 [ الحي ].

- فصوص الحكم فهرس الاصطلاحات مادة “ حياة “.

( 6 ) راجع “ انسان كامل “.

( 7 ) راجع “ أمانة “.

( 8 ) راجع “ حق “ المعنى “ الرابع “.

( 9 ) كما يقول أيضا ان الحياة الدنيا إشارة إلى نعيم القرب، انظر الفتوحات ج 4 ص 189.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!