الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


105.  – التثليث

في اللغة:

“ الثاء واللام والثاء كلمة واحدة. وهي في العدد، يقال اثنان وثلاثة. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ ثلث “ ).

في القرآن:

ورد الأصل “ ثلث “ في القرآن للإشارة إلى عدد:

قال تعالى :” قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا “[ 19 / 10 ].

قال تعالى :” ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ “[ 58 / 7 ].

وفي اشارتها إلى العدد، لم يصح اطلاقها على الحق الذي له التوحيد والوحدة:

قال تعالى :” لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ “1 [ 5 / 73 ].

عند الشيخ ابن العربي:

لفهم فكرة التثليث عند الشيخ الأكبر، ومكانتها من فلسفته، لن نقارنه بمثيلتها، في المسيحية كما فعل غيرنا من الباحثين 2.

بل سنكتفي باستحضار مفهوم “ التربيع “:

فالتثليث هو أصل الخلق ومبدأ النتاج على كل المستويات الوجودية:

الحسية والمنطقية والمعنوية. ..

كل خلق لن يكون الا إذا استوفى شروط التثليث: فالتثليث أصل وجود المخلوق في مقابل “ التربيع “ [ الذي يقوم عليه كيان المخلوق ].

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. ان الامر مبنى في نفسه على الفردية ولها التثليث، فهي من الثلاثة فصاعدا.

فالثلاثة أول الافراد. وعن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم.

فقال تعالى :” إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ “[ 16 / 41 ]

وهذه ذات، ذات إرادة وقول. .. ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود ،

وهي: شيئيته وسماعه وامتثاله أمر مكوّنة بالايجاد.

فقابل ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، وسماعه في موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين قوله كن. ..

فقام أصل التكوين على التثليث اي من الثلاثة من الجانبين، من جانب الحق ومن جانب الخلق، ثم سرى ذلك. .. فاصل الكون التثليث. .. “ ( فصوص 1 / 115 - 117 ).

“. .. ان الاحد لا يكون عنه شيء البتة. .. ولا يكون عن الاثنين شيء أصلا ما لم يكن ثالث يزوجهما، ويربط بعضهما ببعض ويكون هو الجامع لهما، فحينئذ يتكوّن عنهما ما يتكوّن بحسب ما يكون هذان الاثنان عليه. .. فيسري التثليث في جميع الأمور لوجوده في الأصل “. ( ف 3 / 126 ).

“ فلا يكون امر الا عن امرين، ولا نتيجة الا عن مقدمتين. .. “ ( ف 1 / 5 ).

التثليث اذن مبدأ الخلق والنتاج 3، كان في الأصل، [ تثليث الحق 4 في مقابل تثليث الخلق ] ولذلك فهو يسري في كل نتاج في العالم.

لان كل أول يسري 5 في كل ما هو دونه، فيظهر في جميع ما يذكره الشيخ ابن العربي عن: الحب، والنتاج في عالمي الكائنات والمعاني 6.

..........................................................................................

( 1 ) يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. ما كفر القائل بالثلاثة وانما كفر بقوله ان اللّه ثالث ثلاثة، فلو قال ثالث اثنين لأصاب الحق. .. ما ظنك باثنين [ محمد صلّى اللّه عليه وسلم وأبي بكر ] اللّه ثالثهما يريد ان اللّه عز وجل حافظهما يعني في الغار في زمان هجرة الدار. .. “ ( ف 4 / 370 ).

( 2 ) أفاض أبو العلا عفيفي في شرح تثليث الشيخ ابن العربي في ضوء الفلسفة المسيحية، يقول في ارجاعه فكرة التثليث إلى أصلها المسيحي:

“ تلعب فكرة التثليث دورا هاما جدا في فلسفة الشيخ ابن العربي، وغريب حقا ان يكون لها هذا الشأن في تفكير صوفي مسلم، ولكن صاحبنا خرج على كل مألوف ومقرر عند المسلمين، فلم لا يقتبس من المسيحية كما اقتبس من غيرها ما دام في استطاعته ان يصبغ كل ما يقتبسه بصبغة نظريته في وحدة الوجود ؟ “ ( فصوص 2 / 132 - 133 ).

كذلك يقول:

“ ويكفي لظهور اثر المسيحية في هذه النظرية الاسلامية وجود فكرة التثليث (Trinity) فيها من أولها إلى آخرها. .. “ ( نظريات الاسلامين في الكلمة. مجلة كلية الآداب 194 ص 68 ).

لقد أخذ أبو العلا عفيفي بتشابه الالفاظ، وكان الأولى به ان يتعمق في نظرة الشيخ ابن العربي بما يتناسب والمستوى العلمي الذي مارس فيه أبحاثه في الشيخ الأكبر.

لقد كنا ننتظر ان يضع عفيفي “ التثليث “ في مكانه من نظرية متكاملة في العدد عند الشيخ ابن العربي فلقد لعب “ العدد “ دورا هاما في فلسفته أسوة بالدور الذي لعبه في الفلسفة اليونانية ولو سلمنا جدلا مع أبي العلا ان التثليث استقاه من المسيحية فمن اين استقى الوحدة، والتثنية، والتربيع. .. وغيره ؟

كل عدد له دوره في ميتافيزيقية الشيخ الأكبر: فالواحد هو قطب ومحور نظرياته في الوجود.

والعدد “ 2 “ لعب دورا هاما في شرح وجهي الحقيقة الواحدة. والعدد “ 4 “ فسر على أساسه قيومية الأشياء، والعدد “ 5 “ للحضرات، وهكذا. ..

ونشير إلى أن عفيفي استعمل لفظ ثالوث الحق ( فصوص 2 / 133 ) للإشارة إلى التثليث في الحق. وهذا لفظ لم يستعمله الشيخ ابن العربي بل استعمل لفظ “ فردية “ فالأولى ان نقول “ فردية الحق. . “.

( 3 ) يراجع بخصوص التثليث عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 3 ص 129، 172، 496 ( تثليث الرحمة ).

- الفتوحات ج 1 ص 39.

- الفتوحات. السفر الثاني فقرة 167 ( التثليث في البسملة ).

- فصوص الحكم ج 1 ص ص 115 - 117 - ص 214.

( 4 ) ان الواحد في مقام أحديته عقيم، فللانتاج لا بد من “ تثليث “. تلك نظريته في العدد “ ثلاثة “ تنطبق على كل انتاج وخلق. وليس “ تثليث الحق “ سوى وجه من وجوهها الموجودة في كل خلق، وربما تثليث الحق هذا دفع ابا العلا عفيفي إلى مقارنة نظرية الشيخ ابن العربي في الرقم “ 3 “ بفلسفة المسيحية في الثالوث. ولكن ثالوث المسيحية محدد الاشخاص والهدف ولا علاقة له بالخلق والانتاج. في حين ان تثليث شيخنا الأكبر ينسحب على كل خلق وانتاج.

كما أن نظرته في الواقع إلى التثليث عكس النظرة المسيحية، فالأخيرة توحد الأقانيم الثلاثة، بينما الشيخ ابن العربي يثلث الواحد.

يقول:

“ تثلث محبوبي، وقد كان واحدا “ [ ترجمان الأشواق ص 46 ].

فالحق الواحد في مقام الخلق تثلّث للانتاج.

راجع فيما يتعلق بالتثليث كما راه عفيفي، عند الشيخ ابن العربي والمسيحية:

- نظريات الاسلاميين في الكلمة. مجلة كلية الآداب 1934 ص ص 68 - 69 ،

- فصوص الحكم ج 2 ص ص 132 - 134 ،

( 5 ) راجع “ أول “.

( 6 ) في عالم المعاني للحصول على نتيجة لا بد من ازدواج مقدمتين تحدث بينهما حركة يعبر عنها بالنكاح. راجع “ نكاح “.

حرف الجيم

ج

.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!