الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


79. الموقف التاسع والسبعون

وَرَدَ في الخبر: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ».

روه الترمذي. وهذه صيغة حصر، حصر (عليه السلام) الإيمان في الموصوف بها. لأن غيره، إمَّا جاحد مكذّب، وإمَّا عارف مشاهد مكاشف، صار الغيب عنده شهادة، فلا يطلق عليه المؤمن إلاَّ بالمجاز. فهذا تعريف للمؤمن. فمن كان بهذه المثابة فهو مؤمن، أي مصدق بالغيب من إخبار الشارع بنسبة الأفعال إلى من صدرت عنه من العباد في بادئ الرأي، وإثابتهم وعقوبتهم عليها. وأمَّا غير المؤمن، وقد قدَّمنا أنه يشمل الجاحد والعارف المكاشف، فالعارف وهو الذي كشف الله له عن حقيقة الأمر، فعرف نفسه فعرف ربه، فإنه لا تسره حسنته ولا تسوؤه معصيته، ولو قدَّر عليه قتل ألف نبي م تغيّر ولا حزن، الدية على القاتل. ولو بشر بالقطبانية الكبرى ما سرّه ذلك، ول تغيّر له. فإنه عارف بأنه ليس له من الأمر شيء، فهو وإن شارك المؤمن في تصديق الشارع فيما أخبر به من المغيبات، فقد زاد على مطلق المؤمن، وصار ماكان غيباً شهادة له، فالعارف لا يرى له حسنة ولا سيئة إلاَّ بالنسبة الشرعية، التي هي لحكم لا يعلمها إلا الله تعالى ـ، أو من أطلعه الله تعالى من خواص عباده، فالشريعة جامعة للّب والقشر، والحقيقة لب فقط.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!