الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


139. الموقف التاسع والثلاثون بعد المائة

قال تعالى: ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾[الفاتحة: 1/ 6].

أل، في الصراط للعهد. و المعهود هو صراط الله الذي يهدي إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) ويدعو إليه كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾[الشورى: 42/52]. صراط الله .

وقال: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾[الأنعام: 6/ 153].

وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[المؤمنون: 23/ 73].

وهو صراط ربّ هود (عليه السلام) حيث يقول: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[هود: 11/ 56].

وهو صراط ربّ جميع الأنبياء (عليه السلام) ومن تبعهم من المنعم عليهم من الصالحين و الصديقين و الشهداء، كما قال: ﴿فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ﴾[النساء: 4/ 69].

وهذا هو الصراط الذي أمرنا بطلب الهداية إليه في كل صلاة، وأما ما عد صراط النبّيين ومن تبعهم فتلك سبل، وهي سبل المغضوب عليهم و الضالين. ولا يقال فيها: صراط، ولذا قال تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 1/7].

وما قال: ، صراط المغضوب عليهم. وهي من وجه صراط الله من حيث معية الاسم الله، ولكنها غير مستقيمة، إذ جميع المخلوقات، إنما مشيها على سبل الأسماء الإلهية، وهي في قبضتها كما قال: ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾[هود: 11/ 53].

وصراط الله المستقيم هو الذي جاءت الكتب و الرسل (عليه السلام)، آمرة باتباعه والمشي عليه، وناهية عن اتباع السبل و المشي عليها، وقال: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾[الأنعام: 6/ 153].

ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: خط لن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً خطا،  ثم خط خطوطاً صغاراً عن يمين الخط وشماله فقال: ((هذا صراط الله، وهذه سبل على كلّ واحد منها شيطان يدعو إليه)). غالباً في صراطي ضمير المتكّلم، وهو الله تعالى فالصراط المستقيم مظهر الاسم الجامع، وهو الله، والسبل مظاهر جزئيات الأسماء الإلهية. فكّل سبيل هو سبيل الله، من حيث الحقيقة. وإن تعددت وتكثرت كثرة لا يحيط بها إلاَّ هو تعالى ـ، لأنه ليس في نفس الأمر إلاَّ أسماؤه تعالى ـ، وهي الداعية للخلق، وهي سبله المضلّة، كما قال: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَاءُ﴾[الرعد: 13/ 27]. [فاطر : 35/8 ].

وقال حكاية عن رسوله موسى (عليه السلام): ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء﴾ [الأعراف: 7/ 155].

وهي مظاهر المضلّ وجزئياته؛ كما أنَّ صراط الله؛ هو الصراط المستقيم؛ هو مظهر أسمائه الجماليّة، اسمه الهادي وجزئياته، والكل راجع إلى الاسم: الله، وإنما خصَّ صراط المنعم عليهم بتسميته بصراط الله، تشريفاً لهم بالنسبة إلى الاسم الجامع، ولأن غايته الوصول إلى الرحمة المحضة، واسمه الرحمن، مثل الا سم "الله" من حيث أن كلاً منهما له الأسماء الحسنى. وعلى هذا فكل ك افر عاص مخالف ماش على غير طريق الله المستقيم، من حيث الأمر الشرعي التكليفي الوضعي، فهو مطيع موافق، ماش على صراط الله من حيث الأمر الإرادي. فما في نفس الأمر إلاَّ مطيع، غير أنَّ من كان محتده وربّه المتوجه عليه أولاً من أسماء الجمال والهدى؛ كان خيّراً سعيداً بالذات، وإن عرضت له عوارض  في طريقه ضدّ السعادة والخير فإنّها تزول. و النهاية لا تكون إلاَّ عين البداية، ولابدَّ، وما بالذات لا يزول، والعوارض أحوال تحول، والعكس بالعكس،  ما يبدل القول لديه، وماهو بظلام للعبيد تعالى جل شأنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!