Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


131. الموقف الواحد والثلاثون بعد المائة

قال تعالى: ﴿ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[آل عمران3/ 175].

الخوف نوعان خوف من الله تعالى ، وهو خوف الإجلال والتعظيم والهيبة كما قيل،

كأنَّما الطير منه فوق أرؤسهم               لا خوف ظلم، ولكن خوف إجلال

وهو خوف العارفين الموحدين با لتوحيد الحقيقي على مراتبهم من رسول ونبيّ وملك وولي. وهو المأمور به في الآية. فهو توحيد خاص لأن من عرفه تعالى عرف أنه لا يخاف إلاَّ هو تعالى إذ كل شيء في الدنيا والآخرة إنما هو تجلّ من تجلّياته وظهور من ظهوراته، فهم لا يخافون إلاَّ الله، ولا يتّقون إلاَّ الله؛ واتقاؤهم الله إنما ه و بالله تعالى لا بشيء آخر. وهذه الوقاية هي النافعة ل غيرها، إذ لا يتّقى شيء إلاَّ بنفسه كالسيف من الحديد والسنان، والنصل والسكين، ل تتقّى إلاَّ بالدروع من الحديد، كما قال تعالى في عدة آيات،  اتقوا الله، أي لا غيره من سائر مخلوقاته، وقال في معرض المدح: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾[الأعراف: 7/201].

أي الذين اتقوا الله بالله. ولهذه النكتة حذف المتقى منه والمتقى به في الآية، بمعنى الذين كانوا بهذه الصفة، إذا أحسوا بخاطر شيطاني، مرَّ بهم مرور الطيف والسارق المختلس، تذكروا. إذ من المحال أن يوسوس لذاكر حاضر حالة حضوره، أي استحضروا الحق تعالى ـ، الذي هم متقون منه وبه، كما قال (صلى الله عليه وسلم) : «أعوذ بك منك»،  وفي المحسوس: كلّ من أحسَّ بعدو استحضر عدته وسلاحه الذي يتّقي به ذلك العدوّ.

﴿ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾

مشاهدون للحق الذي منه وبه اتقاؤهم، فانحاشوا إليه، وتوكلوا عليه، فغيبتهم تلك المشاهدة عن الشيطان، وكيده، فانقلب خاسئاً نادماً حيث قصد خسارتهم. فربحو بسببه استحضارهم وانحياشهم إليه تعالى ـ.

والنوع الثاني خوف من مخلوقات الله تعالى ، كالخوف من أعداء الإنس و الجنّ، ومن جهنم وما فيها من الحيات والعقارب والأشياء المؤلمة، ومن الذنوب و المعاصي ونحو ذلك من المخلوقات، وهذا الخوف ليس فيه هيبة ولا إجلال، إذ ليس في الخوف من العقرب والحية ونحو ذلك إجلال، وهذا هو خوف عامة المؤمنين من العباد و الزهّاد والصالحين، الذين ما انقشع عن بصائرهم حجاب الغيرية، فلا زالت قلوبهم مشحونة بالأغيار، فهم يخافون غير الله من كل شيء جعله الحق تعالى مظهراً للضرّ والشر صورة، ويتقون ما يخافون بمخلوقات مثلها فيتقون الأعداء با لحصون و السلاح؛ ويتقون جهنّم وحياتها وآلامها بالتوبة والطاعات و الأعمال الصالحات، التي هي عندهم أفعالهم صادرة منهم، فهم يصومون ويصلّون ويحجون ويتصدّقون بأنفسهم لا بربّهم. وهذه الوقاية غير نافعة، و الاتكال عليها غرر محض وخسران بيّن:

﴿ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[آل عمران3/ 175].

أي إذا كنتم في مقام الفرق الأول، وكثافة الحجاب، مؤمنين إ يمان العامّة تشهدون حقاً وخلقاً. مبايناً للحق تعالى ، قائماً بوجود حادث غير وجود الحق تعالى القديم، فيلزمكم حينئذٍ لتصحيح إيمانكم العامي، الخوف منّي دون الخلق، فإن الخلق لا يضر ولا ينفع، فلا يخاف ولا يرجّى. ومفهومه: إذا لم تكونوا مؤمنين، بل كنتم معاينين مشاهدين، وحينئذٍ لا يصح عليكم إطلاق المؤمنين فيما عاينتموه إلاَّ بالمجاز، من حيث أن الإيمان تصديق الغير، وأنتم جاوزتم هذه الرتبة إلى المعاينة، ومشاهدة سريان الوجود الحق في كل موجود، يخاف أم لا، من غير حلول، ولا اتحاد، فخافوهم، أي خافوني فيهم، فإنهم مظاهر أسمائي، وتعينات تجلّياتي، إذ لكل مخلوق وجه هو مؤثر بذلك الوجه الإلهي لا بصورته المحسوسة، فلذا يقول المحقق، الذي هو فوق العارف: المسببات تتكوّن عند الأسباب، وبالأسباب، فإذا رأيت عارفاً بالله يخاف ملكاً، أو ظالماً، أو سبعاً،  أو حيّة، فليس خوفه من صورته المخلوقة المقدرة العدميّة، وإنما خوفه ممّا هي مظهر وصورة له، وهي أسماء الضرّ و الانتقام والقهر، فبين خوف العامّة وخوف العارفين فرق مابين الأعمى و البصير.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!