---

مثل سائر

أوفى من أمّ جميل، وهي دوسية من قبيلة أبي هريرة رضي الله عنه، فذكر أهل الأدب من وفائه أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل رجلا من الأزد، فبلغ ذلك قومه بالسّراة، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهريّ ليقتلوه، فعدا حتى دخل بيت أم جميل و عاذ بها، فقامت في وجوههم، ودعت قومها فمنعوه لها. فلما ولّي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظنت أم جميل أنه أخو ضرار بن الخطاب، فأتته بالمدينة. فلما انتسبت عرف القصة، فقال: يا أم جميل، لست بأخيه إلا في الإسلام، وقد عرفنا منّتك عليه. فأعطاها على أنها ابنة سبيل.

وأم وفاء السموأل بن عاديا، فذكر أهل الأدب من وفائه أن امرأ القيس بن حجر لما أراد الخروج إلى قيصر استودع السموأل دروعا له، فلما مات امرؤ القيس بأنقرة، غز السموأل ملك من ملوك الشام، فتخوّر منه السموأل، فأخذ الملك ابنا له وصاح به: ي سموأل، هذا ابنك في يدي، وقد علمت أن امرأ القيس ابن عمي، وأنا أحق بميراثه، فإن دفعت إليّ الدروع، وإلا ذبحت ابنك، قال: أجّلني، فأجّله. فجمع أهل بيته، فشاورهم،

فكلهم أشاروا بدفع الدروع وأن يستنقذ ابنه. فلما أصبح أشرف فقال: ليس إلى دفع الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع. فذبح الملك ابنه وهو ينظر إليه، و كان يهوديا.

وانصرف الملك، ووافى السموأل بالدروع الموسم، فدفعها إلى ورثة امرئ القيس. وقال في ذلك شعرا:

وفيت بأدرع الكنديّ إني إذا ما خان أقوام وفيت

وقالوا عنده كنز وعيب ولا وأبيك أعذر ما مشيت

بنى لي عاديا حصنا حصينا وبئرا كلما شئت استقيت

وفي ذلك يقول الأعشى:

كن كالسموأل إذ طاف الهمام به في عسكر كسواد الليل جرّار

خيّره خطّتا خسف فقال له اختر وما فيهما حظ لمختار

فشكّ غير بعيد ثم قال له اذبح أسيرك إني مانع جاري

وروينا من حديث الشعبي، قال: قالت أم البنين ابنة عبد العزيز، وهي أخت أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك: لو كان البخل قميصا ما لبسته، أو طريقا ما سلكته. وكانت تعتق في كل يوم رقبة، وتحمل على فرس في سبيل الله. وكانت تقول: البخل كل البخل من بخل على نفسه بالجنة.

أخبرني أبو القاسم البخاري، قال: أخبرني أبو عبد الله الغزّال بالمرية قال: سمعت أب العباس بن العريف الصنهاجيّ، عارف وقته، يقول: ليس السخي من يسخى بماله، إنم السخي من يسخى بنفسه على العلم.