The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن والتسعون ومائة في معرفة النفس بفتح الفاء]

(قلت) : وذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه اللّه أن الشيخ رجع عن القول بتفضيل خواص الملائكة على خواص البشر قبل موته بسنة ووافق الجمهور من أهل السنة انتهى. وتقدم ذلك أيضا عنه في الباب الثالث والسبعين. ولكن سيأتي في الباب الثالث والثمانين وثلاثمائة.

قوله: بعد كلام طويل: وليس يدرك ما قلنا سوى رجل قد جاوز الملأ العلوي والرسل
و هام فيما يظن الخلق أجمعه تحصيله وسها عن نفسه وسل
ذاك الرسول رسول اللّه أحمدنا رب الوسيلة في أوصافه كمل
فصرح بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أفضل من الملائكة ومن سائر الرسل وسكت عما عداه، وتقدم  قوله في الباب الخامس والعشرين أخذ على الخضر العهد بالتسليم لمقالات الشيوخ فلعل ما ذكرناه عنه من التفضيل كان أولا ثم رجع عنه وكذلك تقدم قوله في الباب التاسع والستين ليس يصح لأحد منا دخول مقام الرسالة إنما نراه من خارج كما نرى كواكب السماء ونحن في الأرض فراجعه واللّه تعالى أعلم. وقال نجم الثريا سبعة أنجم: والصرفة اثنان، والذراع ثلاثة، والبطين أربعة، والجبهة خمسة، والدبران ستة، والنعائم تسعة. قال: ولم أر للثمانية صورة في نجوم المنازل ولهذا كان المولود إذا ولد في الشهر الثامن يموت ولا يعيش ويكون معلولا لا ينتفع بنفسه بخلافه إذا ولد في سبعة وتسعة وذلك لأن الثامن شهر يغلب على الجنين فيه البرد 283 و اليبس وهو طبع الموت وأطال في ذلك. وقال: العرش مستدير الشكل وكل ما أحاط به فيه الاستدارة وانظر إلى التشبيه النبوي بأن الكرسي في جوف العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة فشبهه بكل مستدير وهي الحلقة. وكذلك شبه السموات في الكرسي كحلقة قال: واعلم أن العرش يوصف تارة بالعظيم، وتارة بالكريم، وتارة بالمجيد. فهو من حيث الإحاطة عظيم لأنه أعظم الأجسام ومن حيث إنه أعطى ما في قوته لمن هو في حيطته وقبضته فهو كريم ومن حيث نزاهته أن يحيط به غيره من الأجسام فهو مجيد لشرفه على سائر الأجسام قال: فإن قلت إذا كان العرش محيطا بجميع الكائنات فأين الخلاء الذي يكون فيه الحافون من حول العرش لأن العرش قد عمر الخلاء فالجواب أنه لا فرق بين كونهم حافين من حول العرش وبين الاستواء على العرش فإن من لا يقبل التحيز لا يقبل الاتصال، والانفصال فعلم أن هذا العرش الذي تحف به الملائكة هو الذي يأتي اللّه فيه للفصل، والقضاء يوم القيامة، وليس هو الجسم الذي عمر الخلاء واستوى عليه الرحمن ما تراه تعالى يقول: وتَرَى اَلْمَلاٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وقِيلَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ( 75 ) [الزمر: 75] عند الفراغ من القضاء. وقال: زيارة العبد لربه في الجنة تكون على عدد صلاته في دار الدنيا ورؤيته له على قدر حضوره فيها مع ربه وقال: ينبغي لقارئ القرآن إذا لم يكن من أهل الكشف أن يبحث ويسأل علماء الشريعة عن كل شيء ثبت عندهم أنه كان قرآنا ونسخ فيحفظه ليزيده اللّه بذلك درجات في الجنة حين يقال له يوم القيامة: اقرأ وارق. قال: وقد زعم بعض أهل الكشف أنه سقط من مصحف عثمان كثير من المنسوخ قال: ولو أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كان هو الذي تولى جمع القرآن لوقفنا وقلنا هذا وحده هو الذي نتلوه يوم القيامة قال: ولو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان رضي اللّه عنه، قال: وأما ما استقر في مصحف عثمان فلم ينازع أحد فيه.

(قلت) : ذكر الشيخ محيي الدين في «الفتوحات المصرية» إن الذي يتعين اعتقاده أنه لم يسقط من كلام اللّه تعالى شيء لانعقاد الإجماع على ذلك واللّه أعلم. وقال: لا يعرف حقائق الحروف المقطعة أوائل السور إلا أهل الكشف والوجود فإنها ملائكة وأسماؤهم أسماء الحروف. قال: وقد اجتمعت بهم في واقعة وما منهم ملك إلا وأفادني علما لم يكن عندي فهم من جمله أشياخي من الملائكة فإذا نطق القارئ بهذه الحروف كان مثل ندائهم فيجيبونه بقول القارئ: الم فيقول: هؤلاء الثلاثة من الملائكة ما تقول فيقول القارئ ما بعد هذه الحروف فيقولون: صدقت إن كان خيرا ويقولون: هذا مؤمن حقا نطق حقا وأخبر حقا فيستغفرون له وهكذا القول في ألف لام م صاد وأخواتها وهم أربعة عشر ملكا آخرهم نون والقلم وقد ظهروا في منازل القرآن على وجوه مختلفة فمنازل ظهر فيها ملك واحد مثل نون وصاد ومنازل ظهر فيها اثنان مثل طس ويس وحم . وهكذا وصورها مع التكرار تسعة وسبعون ملكا بيد كل ملك شعبة من الإيمان فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة والبضع من واحد إلى تسعة فقد استوفى غاية البضع فمن نظر في هذه الحروف بهذا الباب الذي فتحت له يرى عجائب وتكون هذه الأرواح الملائكة التي هي الحروف أجسامها تحت تسخيره وبما بيدها من شعب الإيمان تمده وتحفظ عليه إيمانه. وقال في قوله تعالى: ويُرْسِلُ اَلصَّوٰاعِقَ فَيُصِيبُ بِهٰا مَنْ يَشٰاءُ [الرعد: 13] الصواعق أهوية محترقة اشتعلت فما تمر بشيء إلا أثرت فيه ولو لا الأثير الذي هو نار بين السماء والأرض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن في الأرض لشدة البرد الذي في السماء الدنيا، فهو يسخن العالم لتسري فيه الحياة بتقدير العزيز العليم. قال: واعلم أن الأثير الذي هو ركن النار متصل بالهواء والهواء حار رطب فيما في الهواء من الرطوبة إذا اتصل بهذا الأثير أثر فيه لتحركه اشتعالا في بعض أجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الأذناب لأنها هواء محترق لا مشتعل وهي سريعة الاندفاع وإن أردت تحقيق هذا فانظر إلى شرر النار إذا ضرب الهواء النار بالمروحة يتطاير منها شرر مثل الخيوط في رأي العين ثم تنطفئ كذلك هذه الكواكب قد جعلها اللّه رجوما للشياطين الذين هم كفار الجن كما قال اللّه تعالى. قال واعلم أن الهواء لا يسمى ريحا إلا إذا تحرك، وتموج فإذا اشتدت حركته كان زعزعا وإن لم تشتد كان رخاء وهو ذو روح يعقل كسائر أجزاء العالم وهبوبه تسبيحه تجري به الجواري، ويطفأ به السراج، وتشعل النار وتتحرك المياه، والأشجار ويموج البحر وتزلزل الأرض ويزجي السحاب قال: واعلم أن روح المياه من الهواء، ولو سكن الهواء لهلك كل متنفس وكل شيء في العالم متنفس وتأمل الإنسان إذا حمي بدنه في زمن الصيف يحرك الهواء بالمروحة ليبرد عنده ما يجده من الحرارة لما في الهواء من برودة الماء فإن صورة الهواء من الماء وقال في قوله تعالى: ومِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [فاطر: 12] . اعلم أن اللّه تعالى ما جعل تكوين دواب البحر الملح إلا في العذب منه خاصة فإن اللّه تعالى أجرى في قعره عينا وأنهارا عذبة وجعل للأرض نفسا من الهواء فيطرأ التعفين من ذلك فكون حيوانات البحر الملح في الماء العذب ولو لا وجود الهواء فيه والماء العذب ما تكون فيه حيوان ألا ترى البخار الصاعد من الأنهار، والبخار الصاعد من الأرض ومن البحر كيف يخرج كما يخرج النفس من المتنفس فيطلب ركنه الأعظم فيستحيل منه ما يستحيل ويلحق بعنصره ما يلحق على قدر ما سبق في علم اللّه من ذلك فهو دولاب دائر منه يخرج وإليه يعود. وقال في قوله تعالى: اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ ومِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: 12] . اعلم أن طبقات الأرض سبع كطبقات السموات في كونها واحدة فوق واحدة قال صلى اللّه عليه وسلم: «فيمن غصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين» وذلك أنه إذا غصب شيئا من الأرض كان ما تحت ذلك المغصوب مغصوبا إلى منتهى الأرض السابعة ولو لم تكن طباقا بعضها فوق بعض لبطل المعقول من هذا الخبر وكذلك الخبر الوارد في سجود العبد على الأرض من أن يظهر اللّه ذلك الموضع بسجدته إلى سبع أرضين وقوله: يَتَنَزَّلُ اَلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [الطلاق:12] أي: بين السموات والأرضين ولو كانت أرضا واحدة، لقال بينهما. قال: وهذا الذي قررناه هو الظاهر، وهو الذي أعطاه كشفنا واللّه أعلم. وقال في قوله تعالى: وجَعَلْنٰا مِنَ اَلْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30] . اعلم أن العالم كله في قبضة الحق لا يمكنه الانفكاك عن ذلك والانقباض في المقبوض يبس بلا شك فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس عليه ما يرطبه وقوله: فَلاٰ يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30] أفلا يصدقون. بذلك لجواز خلافه عقلا الذي هو ضد الواقع فإنه لو غلب عليه البرد والرطوبة هلك ولم يكن له شفاء يحيا به إلا الحرارة واليبس، فكان يقال في ذلك الحال وجعلنا من النار كل شيء حي ولو غلب عليه البرد، واليبس لكانت حياته بالهواء فيقال في تلك الحالة وجعلنا من الهواء كل شيء حي ولو أفرطت عليه الحرارة والرطوبة لكانت حياته بالتراب وكان يقال في هذه الحالة: وجعلنا من التراب كل شيء حي. وأطال في ذلك. وقال حيثما أضيف الرزق إلى اللّه تعالى فالمراد به الحلال الطيب من حيث الكسب وكل ما كان به حياة العبد فهو رزق اللّه وليس فيه تحجير ومن هنا كان المضطر لا حجر عليه فعلم أن الحرام لا ينبغي إضافته إلى اللّه تعالى أدبا.

(قلت) : ومن هنا كان من أدب الفقراء أن لا يأكلوا إلا عند الجوع لتخف الشبهة في الشبهات وليكونوا في حال أكلهم تحت أمر واجب ومستحب بخلاف الأكل من غير الجوع فافهم وأول مراتب الجوع اشتغال الأمعاء بأكل بعضها بعضا لعدم الطبيعة التي بها غذاؤها واللّه أعلم. وقال في قوله تعالى: إِنَّهُ يَرٰاكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ تَرَوْنَهُمْ [الأعراف: 27] ، الآية.

اعلم أن اللّه تعالى وصف الجن باللطافة وخلقهم من مارج من نار والمرج الاختلاط فهم من نار مركبة فيها رطوبة المواد ولهذا يظهر لها لهب واللهب حار رطب. قال: واعلم أن الشياطين من الجن هم الأشقياء البعداء من رحمة اللّه خاصة وأما السعداء فأبقى عليهم اسم الجنس وهم الجان والجان خلق بين الملائكة والبشر الذي هو الإنسان وهو عنصري، ولهذا تكبر فلو كان طبيعيا خالصا من غير حكم العنصر ما تكبر وكان مثل الملائكة وهو برزخي النشأة له وجه إلى الأرواح النورية بلطافة النار منه فله الحجاب والتشكل وله وجه إلينا أيضا به كان عنصريا ومارجا فأعطاه الاسم اللطيف أن يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يشعر به وأطال في ذلك ثم قال: فالاسم اللطيف هو الذي جعل الجان يستر عن أعين الناس فلا تدركهم الأبصار إلا متجسدين واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!