The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة آل عمران: [الآية 188]

سورة آل عمران
لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا۟ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا۟ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا۟ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿188﴾

تفسير الجلالين:

«لا تحسبن» بالتاء والياء «الذين يفرحون بما أتوا» فعلوا من إضلال الناس «ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا» من التمسك بالحق وهم على ضلال «فلا تحسبنهم» في الوجهين تأكيد «بمفازة» بمكان ينجون فيه «من العذاب» في الآخرة بل هم في مكان يعذَّبون فيه وهو جهنم «ولهم عذاب أليم» مؤلم فيها، ومفعولا يحسب الاولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط.

تفسير الشيخ محي الدين:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل

489



سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .

------------

(200) الفتوحات ج 4 / 482 ، 347 ، 482

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا [ فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ] ) الآية ، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة " وفي الصحيح : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره : أن مروان قال : اذهب يا رافع - لبوابه - إلى ابن عباس ، رضي الله عنه ، فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل - معذبا ، لنعذبن أجمعون ؟ فقال ابن عباس : وما لكم وهذه ؟ إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) وتلا ابن عباس : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) الآية . وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكتموه وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه .

وهكذا رواه البخاري في التفسير ، ومسلم ، والترمذي والنسائي في تفسيريهما ، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الملك بن جريج ، بنحوه ورواه البخاري أيضا من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص : أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس ، فذكره .

وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا محمد بن جعفر ، حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) الآية .

وكذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم ، بنحوه وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم قال : كان أبو سعيد ورافع بن خديج وزيد بن ثابت عند مروان فقال : يا أبا سعيد ، رأيت قول الله تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل ؟ فقال أبو سعيد : إن هذا ليس من ذاك ، إنما ذاك أن ناسا من المنافقين كانوا يتخلفون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا ، فإن كان فيه نكبة فرحوا بتخلفهم ، وإن كان لهم نصر من الله وفتح حلفوا لهم ليرضوهم ويحمدوهم على سرورهم بالنصر والفتح . فقال مروان : أين هذا من هذا ؟ فقال أبو سعيد : وهذا يعلم هذا ، فقال مروان : أكذلك يا زيد ؟ قال : نعم ، صدق أبو سعيد . ثم قال أبو سعيد : وهذا يعلم ذاك - يعني رافع بن خديج - ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة . فلما خرجوا قال زيد لأبي سعيد الخدري : ألا تحمدني على شهادة لك ؟ فقال أبو سعيد : شهدت الحق . فقال زيد : أو لا تحمدني على ما شهدت الحق ؟

ثم رواه من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن رافع بن خديج : أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة ، فقال مروان : يا رافع ، في أي شيء نزلت هذه ؟ فذكره كما تقدم عن أبي سعيد ، رضي الله عنهم ، وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عباس كما تقدم ، فقال له ما ذكرناه ، ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء ، لأن الآية عامة في جميع ما ذكر ، والله أعلم .

وقد روى ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن محمد بن ثابت الأنصاري ، أن ثابت بن قيس الأنصاري قال : يا رسول الله ، والله لقد خشيت أن أكون هلكت . قال : " لم ؟ " قال : نهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل ، وأجدني أحب الحمد . ونهى الله عن الخيلاء ، وأجدني أحب الجمال ، ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا امرؤ جهوري الصوت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ " قال : بلى يا رسول الله . فعاش حميدا ، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب .

وقوله : ( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد ، وبالياء على الإخبار عنهم ، أي : لا تحسبون أنهم ناجون من العذاب ، بل لا بد لهم منه ، ولهذا قال : ( ولهم عذاب أليم )


تفسير الطبري :

أي بما فعلوا من القعود في التخلف عن الغزو وجاؤوا به من العذر. ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا؛ فنزلت {لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} الآية. وفي الصحيحين أيضا أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية! إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} و{لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}. وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره؛ فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه، وما سألهم عنه. وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كتموا الحق، وأتوا ملوكهم من العلم ما يوافقهم في باطلهم، {واشتروا به ثمنا قليلا} أي بما أعطاهم الملوك من الدنيا؛ فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}. فأخبر أن لهم عذابا أليما بما أفسدوا من الدين على عباد الله. وقال الضحاك : إن اليهود كانوا يقولون للملوك إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبينا في آخر الزمان يختم به النبوة؛ فلما بعثه الله سألهم الملوك أهو هذا الذي تجدونه في كتابكم؟ فقال اليهود طمعا في أموال الملوك : هو غير ذلك، فأعطاهم الملوك الخزائن؛ فقال الله تعالى {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} الملوك من الكذب حتى يأخذوا عرض الدنيا. والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني. ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد، فكانت جوابا للفريقين. والله أعلم. وقوله : واستحمدوا بذلك إليه، أي طلبوا أن يحمدوا. وقول مروان : لئن كان كل امرئ منا إلخ دليل على أن للعموم صيغا مخصوصة، وأن {الذين} منها. وهذا مقطوع به من تفهم ذلك من القرآن والسنة. وقوله تعالى {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} إذا كانت الآية في أهل الكتاب لا في المنافقين المتخلفين؛ لأنهم كانوا يقولون : نحن على دين إبراهيم ولم يكونوا على دينه، وكانوا يقولون : نحن أهل الصلاة والصوم والكتاب؛ يريدون أن يحمدوا بذلك. و{الذين} فاعل بيحسبن بالياء. وهي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير وأبي عمرو؛ أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب. وقيل : المفعول الأول محذوف، وهو أنفسهم. والثاني {بمفازة}. وقرأ الكوفيون "تحسبن" بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي لا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة من العذاب. وقوله "فلا تحسبنهم" بالتاء وفتح الباء، إعادة تأكيد، ومفعوله الأول الهاء والميم، والمفعول الثاني محذوف؛ أي كذلك، والفاء عاطفة أو زائدة على بدل الفعل الثاني من الأول. وقرأ الضحاك وعيسى بن عمر بالتاء وضم الباء "فلا تحسبنهم" أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو ويحيى بن يعمر بالياء وضم الباء خبرا عن الفارحين؛ أي فلا يحسبن أنفسهم؛ {بمفازة} المفعول الثاني. ويكون {فلا يحسبنهم} تأكيدا. وقيل {الذين} فاعل بـ {يحسبن} ومفعولاها محذوفان لدلالة "يحسبنهم" عليه؛ كما قال الشاعر : بأي كتاب أم بأية آية ** ترى حبهم عارا على وتحسب استغنى بذكر مفعول الواحد عن ذكر مفعول، الثاني، و{بمفازة} الثاني، وهو بدل من الفعل الأول فأغنى لإبداله منه عن ذكر مفعوليه، والفاء زائدة. وقيل : قد تجيء هذه الأفعال ملغاة لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر : وما خلت أبقى بيننا من مودة ** عراض المذاكي المسنفات القلائصا المذاكي : الخيل التي قد أتي عليها بعد قروحها سنة أو سنتان؛ الواحد مذك، مثل المخلف من الإبل؛ وفي المثل جري المذكيات غلاب، والمسنفات اسم مفعول؛ يقال : سنفت البعير أسنفه سنفا إذا كففته بزمامه وأنت راكبه، وأسنف البعير لغة في سنفه، وأسنف البعير بنفسه إذا رفع رأسه؛ يتعدى ولا يتعدى. وكانت العرب تركب الإبل وتجنب الخيل؛ تقول : الحرب لا تبقي مودة. وقال كعب بن أبي سلمى : أرجو وآمل أن تدنو مودتها ** وما إخال لدنيا منك تنويل وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم "أتوا" بقصر الألف، أي بما جاؤوا به من الكذب والكتمان. وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي "آتوا" بالمد، بمعنى أعطوا : وقرأ سعيد بن جبير "أوتوا" على ما لم يسو فاعله؛ أي أعطوا. والمفازة المنجاة، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا؛ أي ليسوا بفائزين. وسمي موضع المخاوف مفازة على جهة التفاؤل؛ قاله الأصمعي. وقيل : لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك؛ تقول العرب : فوز الرجل إذا مات. قال ثعلب : حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ، قال لي أبو المكارم : إنما سميت مفازة؛ لأن من قطعها فاز. وقال الأصمعي : سمي اللديغ سليما تفاؤلا. قال ابن الأعرابي : لأنه مستسلم لما أصابه. وقيل : لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب؛ لأن الفوز التباعد عن المكروه. والله أعلم.

التفسير الميسّر:

ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظننهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.

تفسير السعدي

ثم قال تعالى: { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي. { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه. { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } أي: بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال: { ولهم عذاب أليم } ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل، كما هو الواقع من أهل البدع. ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } وقال: { سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين } وقد قال عباد الرحمن: { واجعلنا للمتقين إماما } وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.


تفسير البغوي

قوله : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) الآية قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( لا تحسبن ) بالتاء ، أي : لا تحسبن يا محمد الفارحين وقرأ الآخرون بالياء " لا يحسبن " الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب ( فلا يحسبنهم ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بالياء وضم الباء خبرا عن الفارحين ، أي فلا يحسبن أنفسهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء أي : فلا تحسبنهم يا محمد وأعاد قوله ( فلا تحسبنهم ) تأكيدا وفي حرف عبد الله بن مسعود ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا بمفازة من العذاب ) من غير تكرار .

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا سعيد بن أبي مريم ، أنا محمد بن جعفر ، حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) الآية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا إبراهيم بن موسى ، أنا هشام ، أن ابن جريج أخبرهم : أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل له : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) كذلك حتى قوله : ( يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) .

قال عكرمة : نزلت في فنحاص وأشيع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم . وقال مجاهد : هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه .

وقال سعيد بن جبير : هم اليهود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم وهم برآء من ذلك .

وقال قتادة ومقاتل : أتت يهود خيبر نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء ، وليس ذلك في قلوبهم فلما خرجوا قال لهم المسلمون : ما صنعتم؟ قالوا : عرفناه وصدقناه فقال لهم المسلمون : أحسنتم هكذا فافعلوا فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال : ( يفرحون بما أتوا ) قال الفراء بما فعلوا كما قال الله تعالى : " لقد جئت شيئا فريا " ( مريم - 27 ) أي : فعلت ، ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة ) بمنجاة ، ( من العذاب ولهم عذاب أليم ) .


الإعراب:

(لا تَحْسَبَنَّ) لا ناهية جازمة تحسبن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وهو في محل جزم بلا والفاعل أنت (الَّذِينَ) اسم موصول مفعول به.

(يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) الجار والمجرور متعلقان بالفعل المضارع بيفرحون والجملة صلة الموصول الذين، وجملة أتوا صلة الموصول ما (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا) ويحبون عطف على يفرحون والمصدر المؤول من أن والفعل المضارع المبني للمجهول في محل نصب مفعول به والجار والمجرور (بِما) متعلقان بالفعل قبلهما (لَمْ يَفْعَلُوا) الجملة صلة الموصول ما (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) مثل لا تحسبن قبلها والهاء مفعول به (بِمَفازَةٍ) متعلقان بتحسبنهم (مِنَ الْعَذابِ) متعلقان بمحذوف صفة مفازة والجملة فلا تحسبنهم الجملة مؤكدة والفاء صلة.

(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ عذاب (أَلِيمٌ) صفته والجملة مستأنفة.

---

Traslation and Transliteration:

La tahsabanna allatheena yafrahoona bima ataw wayuhibboona an yuhmadoo bima lam yafAAaloo fala tahsabannahum bimafazatin mina alAAathabi walahum AAathabun aleemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran)
ترتيبها 3
عدد آياتها 200
عدد كلماتها 3503
عدد حروفها 14605
معنى اسمها عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام
سبب تسميتها ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا. فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ): ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ).
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!