المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة فصلت: [الآية 21]
سورة فصلت | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
«أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ» فإنه تعالى أبان لنا في هذه الإحالة عن أحسن الطرق في العلم به ، فتبين لنا أنه الحق ، وأنه على كل شيء شهيد ، وقال في حق من عدل عن هذا النظر بالنظر فيه تعالى ابتداء «أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ» فلو رجعوا إلى ما دعاهم إليه من النظر في نفوسهم ، لم يكونوا في مرية من لقاء ربهم [ من عرف نفسه عرف ربه ] ثم تمم وقال : «أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ»
- الوجه الأول -وأراد هنا شيئية الوجود لا شيئية الثبوت ، فإن الأمر هناك لا يتصف بالإحاطة ، فكل ما سوى اللّه لا يمكنه الخروج من قبضة الحق ، فهو موجدهم ، فارجع بالنظر والاستقبال إلى ما منه خرجت ، فإنه لا أين لك غيره ، وانظر فيه تجده محيطا بك مع كونه مستقبلك ، فقد جمع بين الإطلاق والتقييد
- الوجه الثاني -لما كان ظهور الحق في الآيات وفي الأنفس هو الذي تبين له بالآيات تمم وقال : «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ» من العالم «مُحِيطٌ» والإحاطة بالشيء تستر ذلك الشيء ، فيكون الظاهر المحيط لا ذلك الشيء ، وصار ذلك الشيء وهو العالم في المحيط كالروح للجسم ، والمحيط كالجسم للروح ، الواحد شهادة وهو المحيط الظاهر والآخر غيب وهو المستور بهذه الإحاطة وهو عين العالم ، ولما كان الحكم للموصوف بالغيب في الظاهر الذي هو الشهادة ، وكانت أعيان شيئيات العالم على استعدادات في أنفسها ، حكمت على الظاهر فيها بما تقتضيه حقائقها ، فظهرت صورها في المحيط وهو الحق ، فقيل عرش وكرسي وأفلاك
وأملاك وعناصر ومولدات وأحوال تعرض ، وما ثم إلا اللّه
- الوجه الثالث - «أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ» أي له في كل شيء إحاطة بما في ذلك المعلوم عليه ، إذا كانت الباء بمعنى في.
(42) سورة الشّورى مكيّة
------------
(54) الفتوحات ج 4 / 68 - ج 1 / 406 - ج 2 / 151 - ج 3 / 300تفسير ابن كثير:
( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) أي : لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم ، فعند ذلك أجابتهم الأعضاء : ( قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة ) أي : فهو لا يخالف ولا يمانع ، وإليه ترجعون .
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا علي بن قادم ، حدثنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن الشعبي ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وتبسم ، فقال : " ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟ " قالوا : يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال : " عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : أي ربي ، أليس وعدتني ألا تظلمني ؟ قال : بلى فيقول : فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي . فيقول الله تبارك وتعالى : أو ليس كفى بي شهيدا ، وبالملائكة الكرام الكاتبين ؟ ! قال : فيردد هذا الكلام مرارا " . قال : " فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول : بعدا لكن وسحقا ، عنكن كنت أجادل " .
ثم رواه هو وابن أبي حاتم ، من حديث أبي عامر الأسدي ، عن الثوري ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن الشعبي ثم قال : " لا نعلم رواه عن أنس غير الشعبي " . وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر ، عن أبي النضر ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي ، عن الثوري به . ثم قال النسائي : " لا أعلم أحدا رواه عن الثوري غير الأشجعي " . وليس كما قال كما رأيت ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال قال : قال أبو بردة : قال أبو موسى : ويدعى الكافر والمنافق للحساب ، فيعرض عليه ربه - عز وجل - عمله ، فيجحد ويقول : أي رب ، وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل ! فيقول له الملك : أما عملت كذا ، في يوم كذا ، في مكان كذا ؟ فيقول : لا وعزتك ، أي رب ما عملته . [ قال ] فإذا فعل ذلك ختم على فيه - قال الأشعري : فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا زهير حدثنا حسن ، عن ابن لهيعة : قال دراج عن أبي الهيثم عن أبى سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله ، فجحد وخاصم ، فيقال : هؤلاء جيرانك ، يشهدون عليك ؟ فيقول : كذبوا . فيقول : أهلك [ و ] عشيرتك ؟ فيقول : كذبوا . فيقول : احلفوا فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم ، ويدخلهم النار " .
وقال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث : سمعت أبي : حدثنا علي بن زيد ، عن مسلم بن صبيح أبي الضحى ، عن ابن عباس : أنه قال لابن الأزرق : إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ، ثم يؤذن لهم فيختصمون ، فيجحد الجاحد بشركه بالله ، فيحلفون له كما يحلفون لكم ، فيبعث الله عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم ، جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ، ويختم على أفواههم ، ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح ، فتقول : ( أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ) فتقر الألسنة بعد الجحود .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي ، عن رافع أبي الحسن - وصف رجلا جحد - قال : فيشير الله إلى لسانه ، فيربو في فمه حتى يملأه ، فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ، ثم يقول لآرابه كلها : تكلمي واشهدي عليه . فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده ، وفرجه ويداه ورجلاه : صنعنا ، عملنا ، فعلنا .
وقد تقدم أحاديث كثيرة ، وآثار عند قوله تعالى في سورة يس : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [ يس : 65 ] ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقال ابن أبي حاتم - رحمه الله - : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : لما رجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجرة البحر قال : " ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ " فقال فتية منهم : بلى يا رسول الله ، بينا نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم ، تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ، ثم دفعها فخرت على ركبتيها ، فانكسرت قلتها . فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت : سوف تعلم يا غدر ، إذا وضع الله الكرسي ، وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا ؟ قال : يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صدقت [ و ] صدقت ، كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟ " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه . ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا يحيى بن سليم ، به
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
فإذا شهدت عليهم عاتبوها، { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ } هذا دليل عل أن الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا: { لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } ونحن ندافع عنكن؟ { قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فليس في إمكاننا، الامتناع عن الشهادة حين أنطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته أحد.
{ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فكما خلقكم بذواتكم، وأجسامكم، خلق أيضا صفاتكم، ومن ذلك، الإنطاق. { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة، فيجزيكم بما عملتم، ويحتمل أن المراد بذلك، الاستدلال على البعث بالخلق الأول، كما هو طريقة القرآن.
تفسير البغوي
( وقالوا ) يعني : الكفار الذين يحشرون إلى النار ، ( لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ) تم الكلام هاهنا . وقال الله تعالى : ( وهو خلقكم أول مرة ) وليس هذا من جواب الجلود ، ( وإليه ترجعون ) .
الإعراب:
(وَقالُوا) الواو حرف عطف وماض وفاعله (لِجُلُودِهِمْ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها (لِمَ) اللام حرف جر وما اسم استفهام في محل جر باللام متعلقان بما بعدهما (شَهِدْتُمْ) ماض وفاعله والجملة مقول القول (عَلَيْنا) متعلقان بالفعل (قالُوا) ماض وفاعله (أَنْطَقَنَا) ماض ومفعوله (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعله والجملة مقول القول (الَّذِي) صفة للّه (أَنْطَقَ كُلَّ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر (شَيْءٍ) مضاف إليه والجملة صلة (وَهُوَ) الواو حالية ومبتدأ (خَلَقَكُمْ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر (أَوَّلَ) ظرف زمان (مَرَّةٍ) مضاف إليه والجملة الفعلية خبر المبتدأ والاسمية حال (وَإِلَيْهِ) الواو حرف عطف وجار ومجرور متعلقان بما بعدهما (تُرْجَعُونَ) مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة معطوفة على ما قبلها