المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأعراف: [الآية 176]
سورة الأعراف | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي
أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .
(8) سورة الأنفال مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(206) الفتوحات ج 1 / 509تفسير ابن كثير:
وقوله تعالى : ( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ) يقول تعالى : ( ولو شئنا لرفعناه بها ) أي : لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها ، ( ولكنه أخلد إلى الأرض ) أي : مال إلى زينة الدنيا وزهرتها ، وأقبل على لذاتها ونعيمها ، وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى .
وقال أبو الزاهرية في قوله تعالى : ( ولكنه أخلد إلى الأرض ) قال : تراءى له الشيطان على غلوة من قنطرة بانياس ، فسجدت الحمارة لله ، وسجد بلعام للشيطان . وكذا قال عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، وغير واحد .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : وكان من قصة هذا الرجل : ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه : أنه سئل عن هذه الآية : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا [ فانسلخ منها ] ) فحدث عن سيار أنه كان رجلا يقال له بلعام ، وكان قد أوتي النبوة وكان مجاب الدعوة ، قال : وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام - أو قال : الشام - قال فرعب الناس منه رعبا شديدا ، قال : فأتوا بلعام ، فقالوا : ادع الله على هذا الرجل وجيشه ! قال : حتى أوامر ربي - أو : حتى أؤامر - قال : فوامر في الدعاء عليهم ، فقيل له : لا تدع عليهم ، فإنهم عبادي ، وفيهم نبيهم . قال : فقال لقومه : إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم ، وإني قد نهيت . فأهدوا له هدية فقبلها ، ثم راجعوه فقالوا : ادع عليهم . فقال : حتى أوامر . فوامر ، فلم يحر إليه شيء . فقال : قد وامرت فلم يحر إلي شيء ! فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى . قال : فأخذ يدعو عليهم ، فإذا دعا عليهم ، جرى على لسانه الدعاء على قومه ، وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه دعا أن يفتح لموسى وجيشه - أو نحوا من ذا إن شاء الله . قال ما نراك تدعو إلا علينا . قال : ما يجري على لساني إلا هكذا ، ولو دعوت عليه أيضا ما استجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم . إن الله يبغض الزنا ، وإنهم إن وقعوا بالزنا هلكوا ، ورجوت أن يهلكهم الله ، فأخرجوا النساء يستقبلنهم ; فإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فيهلكوا . قال : ففعلوا . قال : فأخرجوا النساء يستقبلنهم . قال : وكان للملك ابنة ، فذكر من عظمها ما الله أعلم به ! قال : فقال أبوها - أو بلعام - : لا تمكني نفسك إلا من موسى ! قال : ووقعوا في الزنا . قال : وأتاها رأس سبط من أسباط بني إسرائيل ، قال : فأرادها على نفسه ، فقالت : ما أنا بممكنة نفسي إلا من موسى . قال : فقال : إن منزلتي كذا وكذا ، وإن من حالي كذا وكذا . قال : فأرسلت إلى أبيها تستأمره ، قال : فقال لها : فأمكنيه قال : ويأتيهما رجل من بني هارون ومعه الرمح فيطعنهما . قال : وأيده الله بقوة . فانتظمهما جميعا ، ورفعهما على رمحه فرآهما الناس - أو كما حدث - قال : وسلط الله عليهم الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفا .
قال أبو المعتمر : فحدثني سيار : أن بلعام ركب حمارة له حتى أتى العلولى - أو قال : طريقا من العلولى - جعل يضربها ولا تقدم ، وقامت عليه فقالت : علام تضربني ؟ أما ترى هذا الذي بين يديك ؟ فإذا الشيطان بين يديه ، قال : فنزل وسجد له ، قال الله تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) إلى قوله : ( لعلهم يتفكرون )
قال : فحدثني بهذا سيار ، ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره .
قلت : هو بلعام - ويقال : بلعم - بن باعوراء ، ابن أبر . ويقال : ابن باعور بن شهوم بن قوشتم بن ماب بن لوط بن هاران - ويقال : ابن حران - بن آزر . وكان يسكن قرية من قرى البلقاء .
قال ابن عساكر : وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم ، فانسلخ من دينه ، له ذكر في القرآن . ثم أورد من قصته نحوا مما ذكرنا هاهنا ، وأورده عن وهب وغيره ، والله أعلم .
وقال محمد بن إسحاق بن يسار عن سالم أبي النضر ; أنه حدث : أن موسى ، عليه السلام ، لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام ، أتى قوم بلعام إليه فقالوا له : هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل ، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ، وإنا قومك ، وليس لنا منزل ، وأنت رجل مجاب الدعوة ، فاخرج فادع الله عليهم . قال : ويلكم ! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون ، كيف أذهب أدعو عليهم ، وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ ! قالوا له : ما لنا من منزل ! فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه ، حتى فتنوه فافتتن ، فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل ، وهو جبل حسبان ، فلما سار عليها غير كثير ، ربضت به ، فنزل عنها فضربها ، حتى إذا أذلقها قامت فركبها . فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به ، فضربها حتى إذا أذلقها أذن الله لها فكلمته حجة عليه ، فقالت : ويحك يا بلعم : أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم ؟ فلم ينزع عنها يضربها ، فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك . فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان ، على عسكر موسى وبني إسرائيل ، جعل يدعو عليهم ، ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل . فقال له قومه : أتدري يا بلعم ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم ، وتدعو علينا ! قال : فهذا ما لا أملك ، هذا شيء قد غلب الله عليه ! قال : واندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، جملوا النساء وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم ، ففعلوا . فلما دخل النساء العسكر ، مرت امرأة من الكنعانيين اسمها " كسبى ابنة صور ، رأس أمته " برجل من عظماء بني إسرائيل ، وهو " زمرى بن شلوم " ، رأس سبط بني سمعان بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عليهم السلام ، فقام إليها ، فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى ، عليه السلام ، فقال : إني أظنك ستقول هذا حرام عليك ؟ قال : أجل ، هي حرام عليك ، لا تقربها . قال : فوالله لا نطيعك في هذا . ثم دخل بها قبته فوقع عليها . وأرسل الله ، عز وجل ، الطاعون في بني إسرائيل ، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون ، صاحب أمر موسى ، وكان غائبا حين صنع زمرى بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته ، وكانت من حديد كلها ، ثم دخل القبة وهما متضاجعان ، فانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء ، والحربة قد أخذها بذراعه ، واعتمد بمرفقه على خاصرته ، وأسند الحربة إلى لحييه - وكان بكر العيزار - وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك . ورفع الطاعون ، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمرى المرأة إلى أن قتله فنحاص ، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا - والمقلل لهم يقول : عشرون ألفا - في ساعة من النهار . فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحي - لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إياها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحييه - والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ; لأنه كان بكر أبيه العيزار . ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها [ فأتبعه الشيطان ] ) - إلى قوله : ( لعلهم يتفكرون )
وقوله تعالى : ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) اختلف المفسرون في معناه فأما على سياق ابن إسحاق ، عن سالم بن أبي النضر : أن بلعام اندلع لسانه على صدره - فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك . وقيل : معناه : فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه ، وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء ، كالكلب في لهثه في حالتيه ، إن حملت عليه وإن تركته ، هو يلهث في الحالين ، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ; كما قال تعالى : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ البقرة : 6 ] ، ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) [ التوبة : 80 ] ونحو ذلك .
وقيل : معناه : أن قلب الكافر والمنافق والضال ، ضعيف فارغ من الهدى ، فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا ، نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره .
وقوله تعالى : ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فاقصص القصص لعلهم ) أي : لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام ، وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته ، بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه - في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب - في غير طاعة ربه ، بل دعا به على حزب الرحمن ، وشعب الإيمان ، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان ، كليم الله موسى بن عمران ، [ عليه السلام ] ; ولهذا قال : ( لعلهم يتفكرون ) أي : فيحذروا أن يكونوا مثله ; فإن الله قد أعطاهم علما ، وميزهم على من عداهم من الأعراب ، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته ، كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به ; ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد ، أحل الله به ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه. وَلَكِنَّهُ فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وترك طاعة مولاه، فَمَثَلُهُ في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها، كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا، حرصا قاطعا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا. ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا بعد أن ساقها اللّه إليهم، فلم ينقادوا لها، بل كذبوا بها وردوها، لهوانهم على اللّه، واتباعهم لأهوائهم، بغير هدى من اللّه. فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ في ضرب الأمثال، وفي العبر والآيات، فإذا تفكروا علموا، وإذا علموا عملوا.
تفسير البغوي
( ولو شئنا لرفعناه بها ) أي : رفعنا درجته ومنزلته بتلك الآيات . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لرفعناه بعلمه بها . وقال مجاهد وعطاء : لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات . ( ولكنه أخلد إلى الأرض ) أي : سكن إلى الدنيا ومال إليها . قال الزجاج : خلد وأخلد واحد . وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام ، يقال : أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ، والأرض هاهنا عبارة عن الدنيا ، لأن ما فيها من القفار والرباع كلها أرض ، وسائر متاعها مستخرج من الأرض . ( واتبع هواه ) انقاد لما دعاه إليه الهوى ، قال ابن زيد : كان هواه مع القوم . قال عطاء : أراد الدنيا وأطاع شيطانه . وهذه أشد آية على العلماء ، وذلك أن الله أخبر أنه آتاه آية من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة ، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة عليه والانسلاخ عنها ، ومن الذي يسلم من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله؟
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك عن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " .
قوله تعالى : ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) يقال : لهث الكلب يلهث لهثا : إذا أدلع لسانه . قال مجاهد : هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به .
والمعنى : إن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، فالحالتان عنده سواء ، كحالتي الكلب : إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثا ، وإن ترك وربض كان لاهثا . قال القتيبي : كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال الكلال وفي حال الراحة وفي حال العطش ، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته فقال : إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث ، وإن تركته على حاله لهث ، نظيره قوله تعالى : ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) الأعراف - 193 ، ثم عم بهذا التمثيل جميع من يكذب بآيات الله فقال : ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) وقيل : هذا مثل لكفار مكة وذلك أنهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله ، فلما جاءهم نبي لا يشكون في صدقه كذبوه فلم يهتدوا تركوا أو دعوا .
الإعراب:
(وَلَوْ) لو شرطية غير جازمة.
(شِئْنا) فعل ماض وفاعل والجملة مستأنفة.
(لَرَفَعْناهُ) فعل ماض وفاعله ومفعوله، واللام واقعة في جواب الشرط والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(بِها) (وَلكِنَّهُ) لكن والهاء اسمها والجملة الفعلية (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) خبرها، والجملة الاسمية ولكنه معطوفة، وكذلك جملة (وَاتَّبَعَ هَواهُ) معطوفة.
(فَمَثَلُهُ) مبتدأ والهاء في محل جر بالإضافة والفاء استئنافية.
(كَمَثَلِ) متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ.
(الْكَلْبِ) مضاف إليه والجملة مستأنفة.
(إِنْ) حرف جازم يجزم فعلين مضارعين.
(تَحْمِلْ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط تعلق به الجار والمجرور وفاعله أنت والجملة في محل نصب حال.
(يَلْهَثْ) مضارع مجزوم جواب الشرط وفاعله ضمير مستتر والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم لم يقترن بالفاء أو إذا الفجائية.
(أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) عطف.
(ذلِكَ) اسم إشارة في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف حرف خطاب.
(مَثَلُ) خبره.
(الْقَوْمِ) مضاف إليه.
(الَّذِينَ) اسم موصول في محل جر صفة والجملة مستأنفة لا محل لها.
(كَذَّبُوا) فعل ماض وفاعله.
(بِآياتِنا) متعلقان بكذبوا والجملة صلة الموصول.
(فَاقْصُصِ) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر، والفاء هي الفصيحة.
(الْقَصَصَ) مفعول به والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم مقدر: إذا عرفت ذلك فاقصص القصص.. وجملة (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) تعليلية لا محل لها وجملة يتفكرون خبر لعل.