The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


64. الموقف الرابع والستون

قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 54/ 49].

قرئ بالرفع في غير القراءة المشهورة، وهي قراءة أبى السماك.

اعلم: أنه ليس للحق تعالى ذات، ولمخلوقاته ذوات مستقلة مباينة لذاته تعالى. فمن طلب للمخلوقات ذوات مستقلة قائمة بأنفسها لم يجدها أبداً، وإنم ذات الحق تعالى هي عين ذوات المخلوقات من غير تعدد ولا تجزئة لذاته تعالى ـ. وذوات المخلوقات هي عين ذات الحق لا على أن للحق ذاتاً وللمخلوقات ذوات، ثم اتحدت ذوات الحق بهم أو امتزجت أو حلّت فيهم، فإن هذا محال وليس بمراد، بل بمعنى أن ذاته ـ تعالى التي هي وجوده المقوم للمخلوقات، القائم عليها، هي عين ذوات المخلوقات أي هي، أي ذوات المخلوقات عبارة عن ظهور الوجود الحق متلبساً بأحكام استعدادات المخلوقات، أي أعيانها الثابتة في العلم والعدم أزلاً وأبداً، وهي نسب الوجود الحق واعتبارات وإضافات. ولا عين لها في الوجود الحق. ولكن لما كان الشأن أنه لا حكم إلاَّ لباطن في ظاهر، ولا أثر إلاَّ لغيب في شهادة، حكمت أحكام الاستعدادات الثابتة علماً، المعدومة عيناً، على الوجود الحق، الظاهر بأحكامها، وصارت الأحكام والأوصاف لها فيه مع عدميتها. فذاته تعالى وجود حق قديم قائم بنفسه. وذوات المخلوقات كلّها هي الوجود الحق، الظاهر بأحوال أعيانها الثابتة الحادثة الظهور القديمة بالعلم، والظاهر بها الذي قامت به هو الوجود الحق القديم. فهو تعالى ذاتنا من حيث ظهور صفات أعياننا، وأحوالنا به حاكمة عليه في الاتصاف بها، ونحن ذاته من حيث ظهوره بنا، فهو ظاهر بنا وإن كنَّا عدماً، وذات الشيء مابه ظهوره، ولا يقدح فيما ذكرنا، التعبير «بنحن»، و«وهو» لأنَّ ضرورة التفهيم أحوجت إلى ذلك، فليس إلاَّ ذات وحقيقة واحدة، إذ ظهرت بالتأثير والفعل وصفات الكمال كانت إلهاً، وإذا ظهرت بالانفعال والتأثر وصفات النقص كانت خلقاً وعبداً، والعين واحدة، وكذلك الصفات، ليس للمخلوقات صفات مغايرة لصفات الحق تعالى فصفاته المطلقة المتعلقة بكل ما يصح تعلّقها به هي عين صفاتنا المقيدة التي تتعلق ببعض ما يصحّ تعلقها به دون بعض. وصفاتنا المقيّدة هي عين صفاته المطلقة. فقدرته المطلقة تتعلّق بكل ممكن، وقدرته المقيدة بنا تتعلق ببعض الممكنات دون بعض، وعلمه المطلق يتعلّق بكل واجب ومستحيل وجائز. وعلمه المقيّد بنا، يتعلق ببعض الممكنات دون بعض. وعلمه المطلق يتعلّق بكلّ واجب، ومستحيل وجائز. وعلمه المقيّد بنا، المنسوب إلينا يتعلّق ببعض المعلومات دون بعض.

فمن حيث الإطلاق هي صفات الحق تعالى ومن حيث التقييد هي صفات الخلق، وهي هي في الحالتين والنسبتين وإنما تميّزت بالإطلاق والتقييد. والمطلق عين المقيّد في الخارج، وإن كان غيره في الاعتبار والتعقل. والتقييد والحدوث، إنم حصلا للصفات بإضافتها إلى الحق، وكذا أفعال المخلوقات هي أفعاله تعالى وأفعاله أفعال مخلوقاته، ولذا ورد في الكتاب والسنة، نسبة الأفعال إلى الحق تارة، ونسبته إلى المخلوقات تارة، ونسبتها إلى الحق تعالى بالخلق تارة، وإلى الحلق بالحق تارة، فافهم. واحذر أيها الواقف على هذا أن ترمينا بحلول أو اتحاد، أو زندقة، أو إلحاد، فنحن بريئون من فهمك الأعوج، وعقلك الأهوج.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!