The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


276. الموقف السادس والسبعون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾[الأحزاب: 33/33].

تأمّل هذه العناية الكبرى، والمنقبة العظمة، و المنزلة الزلفى، لأهل البيت النبويّ، ولفظة «أهل» تعمّهم من أولهم إلى آخر مولود منهم، حصر تعالى إرادته فيهم بأنها لإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم من الرجس، وهو الذنب، تطهيراً كاملاً مؤكداً بالمصدر، وذلك بأن يكون كلّ ما يصدر منهم من المعاصي والمخالفات مغفوراً لهم، بل المغفرة متقدّمة، لا بأنهم معصومون من المخالفات، ولا أنه تعالى أباح لهم ما حرّمه على غيرهم من الأمة، كلاّ وحاشا، بل بمعنى أن ذنوبهم تقع مغفورة لهم عناية إلهية، هذا اللسان فيه مراعاة علماء أهل الظاهر، وهو حقٌّ. واللسان اللاحق أنه تعالى استثناهم من العموم، ففي صحيح البخاري في أهل بدر: ((اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة)).

وإنَّ الله لا يأمر بالفحشاء، وليس الفحشاء إلاَّ ما نهى الله عنه، فم كان في العموم فاحشاً فليس فاحشة في حق هؤلاء ، وإن كنّا نقيم عليهم الحدود الشرعية و التعزيزات في الظاهر، وإذْ كانت عنايته تعالى بأهل البيت النبويّ كم أخبر، فما ظنك بعنايته تعالى بأهل البيت الإلهي؟! وهم المعنيّون بأهل القلوب؟! وقد ورد في الخبر النبوي: ((القلب بيت الرب)).

فأهل البيت الإلهي هم أهل القلوب المشار إليهم بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾[ق: 50/37].

المعنيون بقوله تعالى في الحديث القدسي: ((ما وسعتني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن)) .

وليس كل قلب يسع الحق، وإنَّما يسعه قلب العارف به تعالى، ومن عرفه تعالى عرف كلّ شيء، فإنه تعالى حقيقة كلّ شيء، ومن عرف حقيقة شيء عرف ما انفصل منه وما حصلت هذه العناية العظيمة لأهل البيت النبويّ إلاَّ لقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله القريب من الله تعالى ، فالأقربون إلى الله تعالى أولى بهذه العناية. فمن كان من أهل البيت النبويّ و الإلهي فبخ بخ وكرامة على كرامة ونور على نور. هؤلاء خصوص أهل البيت النبوي المرادون بقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير أ خبرني: أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) .

ومن كان من أهل البيت النبوي فقط فهو دون من كان من أهل البيت الإلهي، إذ كلّ من كان من أهل البيت الإلهي فهو من أهل البيت النبوي حكماً نبوياً باستلحاقه (صلى الله عليه وسلم) ولا ينعكس، ورد في الصحيح: ((سلمان منّا أهل البيت)) .

وما استلحقه (صلى الله عليه وسلم) إلاَّ لكونه من أهل البيت الإلهي، أهل القلوب التي هي بيوت الربّ تعالى وهو (صلى الله عليه وسلم) أبو القلوب، يستلحق كل من كان له قلب، إذ لا يستحق إلاَّ أب، واعتبار الشارع للقرابة القلبية الباطنة آكد من اعتباره للقرابة الجسمية الظاهرة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!